" صفحة رقم ١٢٤ "
ومعنى ) لا يرقبوا ( لا يوفوا ولا يراعوا، يقال : رقَب الشيء، إذا نظر إليه نظر تعهّد ومراعاة، ومنه سمّي الرقيب، وسمّي المرْقَبَ مكان الحراسة، وقد أطلق هنا على المراعاة والوفاء بالعهد، لأنّ من أبطل العمل بشيء فكأنّه لم يَره وصرف نظره عنه.
والإلّ : الحلف والعهد ؛ ويطلق الإلّ على النسب والقرابة. وقد كانت بين المشركين وبين المسلمين أنساب وقرابات، فيصحّ أن يراد هنا كلا معنييه.
والذمّة ما يمتّ به من الأواصر من صحبة وخلة وجوار ممّا يجب في المروءة أن يحفظ ويحمى، يقال : في ذمّتي كذا، أي ألتزم به وأحفظه.
استئناف ابتدائي، أي هم يقولون لكم ما يرضيكم، كيداً ولو تمكّنوا منكم لم يرقبوا فيكم إلاّ ولا ذمّة. من يسمع كلاماً فيأباه.
والإباية : الامتناع من شيء مطلوب وإسناد الإباية إلى القلوب استعارة، فقلوبهم لمّا نوت الغدر شبّهت بمن يطلب منه شيء فيأبى.
وجملة :( وأكثرهم فاسقون ( في موضع الحال من واو الجماعة في ) يرضونكم ( مقصود منها الذمّ بأن أكثرهم موصوف، مع ذلك، بالخروج عن مهيع المروءة والرُّجلة، إذ نجد أكثرهم خالعين زمام الحياة، فجمعوا المذمة الدينية والمذمّة العرفية. فالفسق هنا الخروج عن الكمال العرفي بين الناس، وليس المراد الخروج عن مهيع الدين لأنّ ذلك وصف لجميعهم لا لأكثرهم، ولأنّه قد عرف من وصفهم بالكفر.


الصفحة التالية
Icon