" صفحة رقم ١٥٦ "
كثرتكم ( بديعاً لأنّه تنبيه على خطئِهم في الأدب مع الله المناسب لِمقامهم أي : ما كان ينبغي لكم أن تعتمدوا على كثرتكم.
و ) حُنين ( اسم واد بين مكة والطائف قُرب ذي المجاز، كانت فيه وقعَة عظيمة عقب فتح مكة بين المسلمين مع النبي ( ﷺ ) وكانوا اثني عشر ألفاً، وبين هوازن وثقيف وألفاً فهما، إذ نهضوا لقتال النبي ( ﷺ ) حمية وغضباً لهزيمة قريش ولفتح مكة، وكان على هوازن مالك بن عوف، أخو بني نصر، وعلى ثقيف عبد يَالِيل بن عمرو الثقفي، وكانوا في عدد كثير وساروا إلى مكة فخرج إليهم النبي ( ﷺ ) حتّى اجتمعوا بحُنين فقال المسلمون : لن نغلب اليومَ من قلّة، ووثقوا بالنصر لقوّتهم، فحصلت لهم هزيمة عند أوّل اللقاء كانت عتاباً إلهياً على نسيانهم التوكّل على الله في النصر، واعتمادهم على كثرتهم، ولذلك روي أنّ رسول الله ( ﷺ ) لمّا سمع قول بعض المسلمين ( لن نغلب من قلّة ) ساءهُ ذلك، فإنّهم لمّا هبطوا وادي حنين كان الأعداء قد كمنوا لهم في شعابه وأحنائه، فما راع المسلمين وهم منحدرون في الوادي إلاّ كتائبُ العدوّ وقد شَدَّت عليهم وقيل : إنّ المسلمين حملوا على العدوّ فانهزم العدوّ فلحقوهم يغنمون منهم، وكانت هوازن قوماً رُماة فاكثبوا المسلمينَ بالسهام فأدبر المسلمون راجعين لا يلوي أحد على أحد، وتفرّقوا في الوادي، وتطاول عليهم المشركون ورسول الله ( ﷺ ) ثابت في الجهة اليمنى من الوادي ومعه عشرة من المهاجرين والأنصار فأمر رسول الله ( ﷺ ) العباسَ عمَّه أن يصرخ في الناس : يا أصحاب الشجرة أو السمرة يعني أهل بيعة الرضوان يا معشر المهاجرين يا أصحاب سورة البقرة يعني الأنصار هلمّوا إلي، فاجتمع إليه مائة، وقاتلوا هوازن مع من بقي مع النبي ( ﷺ ) واجتلد الناس، وتراجع بقية المنهزمين واشتدّ القتال و قال رسول الله ( ﷺ ) ( الآن حَمِي الوطيس ) فكانت الدائرةُ على المشركين وهُزموا شرّ هزيمة وغنمت أموالهم وسُبيت نساؤهم.
فذلك قوله تعالى :( وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ( وهذا التركيب تمثيل لحال المسلمين لمّا اشتدّ عليهم البأس واضطربوا ولم يهتدوا لدفع العدوّ عنهم، بحال من يرى الأرض الواسعةَ ضيّقةً.