" صفحة رقم ١٧٥ "
وأسند الحكم إلى كثير منهم دون جميعهم لأنّهم لم يخلوا من وجود الصالحين فيهم مثل عبد الله بن سلاَم ومُخَيْرِيق.
والباطل ضدّ الحقّ، أي يأكلون أموال الناس أكلاً ملابساً للباطل، أي أكلاً لا مبرّر له، وإطلاق الأكل على أخذ مال الغير إطلاق شائع قال تعالى :( وتأكلون التراث أكلا لما ( ( الفجر : ١٩ ) وقال ) ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون في سورة البقرة ( ١٨٨ ) وقد تقدّم، وكذلك الباطل تقدّم هنالك.
والباطل يشمل وجوها كثيرة، منها تغيير الأحكام الدينية لموافقة أهواء الناس، ومنها القضاء بين الناس بغير إعطاء صاحببِ الحقّ حقّه المعين له في الشريعة، ومنها جحد الأمانات عن أربابها أو عن ورثتهم، ومنها أكل أموال اليتامى، وأموال الأوقاف والصدقات.
وسبيل الله طريقهُ استعير لدينه الموصّل إليه، أي إلى رضاه، والصدّ عن سبيل الله الإعراض عن متابعة الدين الحقّ في خاصّة النفس، وإغراءُ الناس بالإعراض عن ذلك. فيكون هذا بالنسبة لأحكام دينهم إذ يغيرون العمل بها، ويضلّلون العامّة في حقيقتها حتّى يعملوا بخلافها، وهم يحسبون أنّهم متّبعون لدينهم، ويكون ذلك أيضاً بالنسبة إلى دين الإسلام إذ ينكرون نبوءة محمد ويعلِّمون أتباع ملّتهم أنّ الإسلام ليس بدين الحقّ.
والأجل ما في الصدّ من معنى صدّ الفاعل نفسَه أتت صيغة مضارعهِ بضمّ العين : اعتباراً بأنّه مضاعف متعدّ، ولذلك لم يجىء في القرآن إلاّ مضموم الصاد ولو في المواضع التي لا يراد فيها أنّه يصدّ غيره، وتقدّم ذكر شيء من هذا عند قوله تعالى : الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً في سورة الأعراف ( ٤٥ ).