" صفحة رقم ١٧٦ "
جملة معطوفة على جملة ) يأيها الذين آمنوا إن كثيراً ( والمناسبة بين الجمْلتين : أنّ كلتيهما تنبيه على مساوي أقوام يضَعُهم الناس في مقامات الرفعة والسؤدد وليسوا أهلاً لذلك، فمضمون الجملة الأولى بيان مساوي أقوام رفع الناس أقدارهم لعلمهم ودينهم، وكانوا منطوين على خبائث خفيّة، ومضمون الجملة الثانية بيان مساوي أقوام رفعهم الناس لأجل أموالهم، فبين الله أنّ تلك الأموال إذا لم تنفق في سبيل الله لا تغني عنهم شيئاً من العذاب.
وأمّا وجه مناسبة نزول هذه الآية في هذه السورة : فذلك أنّ هذه السورة نزلت إثر غزوة تبوك، وكانت غزوة تبوك في وقت عُسرة، وكانت الحاجة إلى العُدّةِ والظهر كثيرة، كما أشارت إليه آية ) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون ( ( التوبة : ٩٢ ) وقد ورد في ( السيرة ) أنّ رسول الله ( ﷺ ) حض أهل الغنى على النفقة والحُمْلان في سبيل الله، وقد أنفق عثمان بن عفان ألفَ دينار ذهباً على جيش غزوة تبوك وحَمَل كثيرٌ من أهل الغنى فالذين انكمشوا عن النفقة هم الذين عنتهم الآية ب ) والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ( ولا شكّ أنّهم من المنافقين.
والكَنز بفتح الكاف مصدر كنز إذا ادّخر مالاً، ويطلق على المال من الذهب والفضة الذي يُخزن، من إطلاق المصدر على المفعول كالخَلْق بِمعنى المخلوق.
و ) سبيل الله ( هو الجهاد الإسلامي وهو المراد هنا.
فالموصول مراد به قوم معهودون يَعرِفون أنّهم المراد من الوعيد، ويعرفهم المسلمون فلذلك لم يثبت أنّ النبي ( ﷺ ) أنبَ قوماً بأعيانهم.


الصفحة التالية
Icon