" صفحة رقم ١٩٥ "
سبب ذلك الاضطراب هو تزيين الشيطان لهم سوءَ أعمالهم، أفيد بأنّ دوامهم عليه لأنّ الله أمسك عنهم اللطف والتوفيق، الذيْن بهما يتفطّن الضالّ لضلاله فيقلع عنه، جزاءاً لهم على ما أسلفوه من الكفر، فلم يزالوا في دركات الضلال إلى أقصى غاية.
والإظهار في مقام الإضمار بقوله :( القوم الكافرين ( لقصد إفادة التعميم الذي يشملهم وغيرهم، أي : هذا شأن الله مع جميع الكافرين.
واعلم أنّ حرمة الأزمان والبقاع إنّما تُتلقَّى عن الوحي الإلاهي لأنّ الله الذي خلق هذا العالم هو الذي يسُنّ له نظامَه فبذلك تستقرّ حرمة كلّ ذي حرمة في نفوس جميع الناس إذ ليس في ذلك عمل لبعضهم دون بعض، فإذا أدخل على ما جعله الله من ذلك تغييرٌ تقشّعت الحرمة من النفوس فلا يرضى فريق بما وضعه غيره من الفرق، فلذلك كان النسيء زيادة في الكفر لأنّه من الأوضاع التي اصطلح عليها الناس، كما اصطلحوا على عبادة الأصنام بتلقين عمرو ابن لحَيّ.
وقد أوْحَى الله لرسوله ( ﷺ ) أنّ العامَ الذي يَحُجّ فيه يصادف يومُ الحجّ منه يومَ تسعة من ذي الحجة، على الحساب الذي يتسلسل من يوم خلق الله السماوات والأرض، وأنّ فيه يندحض أثر النسيء ولذلك قال النبي ( ﷺ ) في خطبة حجّة الوداع ( إنّ الزمان قد استدار كهيئتِه يومَ خلق اللَّهُ السماوات والأرض )، قالوا فصادفت حجّة أبي بكر سنة تسع أنّها وقعت في شهر ذي القعدة بحساب النسيء، فجاءت حجّةُ النبي ( ﷺ ) في شهر ذي الحجّة في الحساب الذي جعله الله يومَ خلق السماوات والأرض.
٣٨ ٣٩ ) ) ياَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الاَْرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَواةِ الدُّنْيَا مِنَ الاَْخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِى الاَْخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ).
هذا ابتداء خطاب للمؤمنين للتحريض على الجهاد في سبيل الله، بطريقة العتاب على التباطىء بإجابة دعوة النفير إلى الجهاد، والمقصود بذلك غزوة تبوك. قال ابن


الصفحة التالية
Icon