" صفحة رقم ١٠٣ "
إذَا أثنى عليك المرءُ يوماً
كَفَاه عن تَعَرضِه الثناء
واعلم أن الاقتصار على كون دعواهم فيها كلمة ) سبحانك اللهم ( يشعر بأنهم لا دعوى لهم في الجنة غير ذلك القول، لأن الاقتصار في مقام البيان يشعر بالقصر، ( وإن لم يكن هو من طرق القصر لكنه يستفاد من المقام ) ولكن قوله :( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ( يفيد أن هذا التحميد من دعواهم، فتحصل من ذلك أن لهم دعوى وخاتمة دعوى.
ووجه ذكر هذا في عدد أحوالهم أنها تدل على أن ما هم فيه من النعيم هو غايات الراغبين بحيث إن أرادوا أن ينعَموا بمقام دعاء ربهم الذي هو مقام القرب لم يجدوا أنفسهم مشتاقين لشيء يسألونه فاعتاضوا عن السؤال بالثناء على ربهم فألهموا إلى التزام التسبيح لأنه أدل لفظ على التمجيد والتنزيه، فهو جامع للعبارة عن الكمالات.
والتحية : اسم جنس لما يُفاتح به عند اللقاء من كلمات التكرمة. وأصلها مشتقة من مصدر حيَّاهُ إذا قال له عند اللقاء أحياك الله. ثم غلبت في كل لفظ يقال عند اللقاء، كما غلب لفظ السلام، فيشمل : نحو حيَّاك الله، وعِم صباحاً، وعِمْ مساء وصبّحك الله بخير، وبتّ بخير. وتقدم الكلام عليها عند قوله تعالى :( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها في سورة النساء ( ٨٦ ).
ولهذا أخبر عن تحيتهم بأنها سلام، أي لفظ سلام، إخباراً عن الجنس بفرد من أفراده، أي جعل الله لهم لفظ السلام تحية لهم.
والظاهر أن التحية بينهم هي كلمة ( سلام )، وأنها محكية هنا بلفظها دون لفظ السلام عليكم أو سلام عليكم، لأنه لو أريد ذلك لقيل وتحيتهم فيها السلام بالتعريف ليتبادر من التعريف أنه السلام المعروف في الإسلام، وهو كلمة السلام عليكم. وكذلك سلام الله عليهم بهذا اللفظ قال تعالى : سلام قولاً من رب رحيم ( ( يس : ٥٨ ) وأما قوله :( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم ( ( الرعد : ٢٣، ٢٤ ) فهو تلطف معهم بتحيتهم التي جاءهم بها الإسلام.


الصفحة التالية
Icon