" صفحة رقم ١٠٤ "
ونكتة حذف كلمة ( عليكم ) في سلام أهل الجنة بعضهم على بعض أن التحيّة بينهم مجرد إيناس وتكرمة فكانت أشبه بالخبر والشكر منها بالدعاء والتأمين كأنهم يغتبطون بالسلامة الكاملة التي هم فيها في الجنة فتنطلق ألسنتهم عند اللقاء معبرة عما في ضمائرهم، بخلاف تحيّة أهل الدنيا فإنها تقع كثيراً بين المتلاقين الذين لا يعرِف بعضهم بعضاً فكانت فيها بقية من المعنى الذي أحدَث البشر لأجله السلامَ، وهو معنى تأمين الملاقِي من الشر المتوقَّع من بين كثير من المتناكرين. ولذلك كان اللفظ الشائع هو لفظَ السلام الذي هو الأمان، فكان من المناسب التصريح بأن الأمان على المخاطب تحقيقاً لمعنى تسكين رَوعه، وذلك شأن قديم أن الذي يضمر شَراً لملاقيه لا يفاتحه بالسلام، ولذلك جعل السلام شعار المسلمين عند اللقاء تعميماً للأمن بين الأمة الذي هو من آثار الأخوة الإسلامية. وكذلك شأن القِرى في الحضارة القديمة فإن الطارق إذا كان طارق شر أو حَرب يمتنع عن قبول القرى، كما حكى الله تعالى عن إبراهيم ) فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نَكرهم وأوجس منهم خيفة ( ( هود : ٧٠ ).
وفيه تنويه بشأن هذا اللفظ الذي هو شعار المسلمين عند ملاقاتهم لما فيه من المعاني الجامعة للإكرام، إذ هو دعاء بالسلامة من كل ما يكدر، فهو أبلغ من أحياك الله لأنه دعاء بالحياة وقد لا تكون طيبة، والسلامُ يجمع الحياة والصفاء من الأكدار العارضة فيها.
وإضافة التحية إلى ضمير ( هم ) معناها التحية التي تصدر منهم، أي من بعضهم لبعض.
ووجه ذكر تحيتهم في هذه الآية الإشارة إلى أنهم في أنس وحُبور، وذلك من أعظم لذات النفس.
وجملة ) وآخر دعواهم ( بقية الجمل الحالية. وجعل حمد الله من دعائهم كما اقتضته ( أنْ ) التفسيرية المفسرة به ) آخر دعواهم ( لأن في دعواهم معنى القول إذ جعل آخر أقوال.
ومعنى ) آخر دعواهم ( أنهم يختمون به دعاءهم فهم يكررون ) سبحانك اللهم ( فإذا أرادوا الانتقال إلى حالة أخرى من أحوال النعيم نَهَّوْا دعاءهم بجملة ) الحمد لله رب العالمين ).


الصفحة التالية
Icon