" صفحة رقم ١٠٥ "
وسياق الكلام وترتيبه مشعر بأنهم يدعون مجتمعين، ولذلك قرن ذكر دعائهم بذكر تحيتهم، فلعلهم إذا تراءوا ابتدروا إلى الدعاء بالتسبيح فإذا اقترب بعضهم من بعض سلم بعضهم على بعض. ثم إذا رَاموا الافتراق ختموا دعاءهم بالحمد، فأنْ تفسيرية لآخِر دعواهم، وهي مؤذنة بأن آخر الدعاء هو نفس الكلمة ) الحمد لله رب العالمين ).
وقد دل على فضل هاتين الكلمتين قول النبي ( ﷺ ) ( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان : سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ).
) ) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (
مجيء حرف العطف في صدر هذه الآية يقتضي في علم البلاغة خصوصية لعطفها على ما قبلها ومزيد اتصالها بما قبلها فتعين إيضاح مناسبة موقعها. والظاهر أن المشركين كانوا من غرورهم يحسبون تصرفات الله كتصرفات الناس من الاندفاع إلى الانتقام عند الغضب اندفاعاً سريعاً، ويحسبون الرسل مبعوثين لإظهار الخوارق ونكاية المعارضين لهم، ويسوون بينهم وبين المشعوذين والمتحدّين بالبطولة والعجائب، فكانوا لما كذبوا النبي ( ﷺ ) وركبوا رؤوسهم ولم تصبهم بأثر ذلك مصائب من عذاب شامل أو موتان عام ازدادوا غروراً بباطلهم وإحالة لكون الرسول ( ﷺ ) مرسلاً من قبل الله تعالى. وقد دلت آيات كثيرة من القرآن على هذا كقوله :( وإذْ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ( ( الأنفال : ٣٢ ) وقوله :( يستعجلونك بالعذاب ( ( الحج : ٤٧ ) وقوله :( فإن للذين ظلموا ذَنوباً مثلَ ذَنوب أصحابهم فلا يستعجلون ( ( الذاريات : ٥٩ ) وقد بينا ذلك في سورة الأنعام وفي سورة الأنفال.


الصفحة التالية
Icon