" صفحة رقم ١٢٩ "
كما قال تعالى :( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني بَراء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمةً باقية في عقبه لعلهم يرجعون ( ( الزخرف : ٢٦ ٢٨ )، أي في عقبه من العرب، فيكون التعريف للعهد.
وجملة :( ولولا كلمة سبقت من ربك ( إخبار بأن الحق واحد، وأن ذلك الاختلاف مذموم، وأنه لولا أن الله أراد إمهال البشر إلى يوم الجزاء لأراهم وجه الفصل في اختلافهم باستيصال المُبطل وإبقاءِ المحق. وهذه الكلمة أجملت هنا وأشير إليها في سورة الشورى ( ١٤ ) بقوله :( ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مُسمى لقضي بينهم.
والأجل : هو أجل بقاء الأمم، وذلك عند انقراض العالم، فالقضاء بينهم إذن مؤخر إلى يوم الحساب. وأصرح من ذلك في بيان معنى ( الكلمة ) قولُه في سورة هود ( ١١٨ ) ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمةُ ربك لأملأنَّ جهنم من الجنة والناس أجمعين وسيأتي بيانها.
وتقديم المجرور في قوله : فيما فيه يختلفون ( للرعاية على الفاصلة.
) ) وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للَّهِ فَانْتَظِرُو اْ إِنِّى مَعَكُمْ مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (
عطف على جملة :( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ( ( يونس : ١٨ )، فبعد أن ذكر افتراءهم في جانب الإلهية نفى بهتانهم في جانب النبوءة.
والضمير في ) عليه ( عائد للنبيء ( ﷺ ) وإن لم يجر له ذكر قبل ذلك في الآية، فإن معرفة المراد من الضمير مغنية عن ذكر المعاد. وقد كان ذكر النبي ( ﷺ ) بينهم في نواديهم ومناجاتهم في أيام مُقامه بينهم بعد البعثة هو شغلهم الشاغل لهم، قد أجرى في كلامهم ضمير الغيبة بدون سبق معاد، علم المتخاطبون أنه المقصود. ونظير هذا كثير في القرآن.