" صفحة رقم ١٣٨ "
وجملة :( دعَوا الله مخلصين ( جواب ) إذا ). ومعنى مخلصين له الدين ممحضين له العبادة في دعائهم، أي دعوه ولم يدعوا معه أصنامهم. وليس المراد أنهم أقلعوا عن الإشراك في جميع أحوالهم بل تلك حالتهم في الدعاء عند الشدائد. وهذا إقامة حجة عليهم ببعض أحوالهم، مثل قوله تعالى :( أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون ( ( الأنعام : ٤٠، ٤١ ).
وجملة :( لئن أنجيتنا ( بيان لجملة ) دَعوا ( لأن مضمونها هو الدعاء.
والإشارة ب ) هذه ( إلى حالة حاضرة لهم، وهي حالة إشرافهم على الغرق، فالمشار إليه هو الحالة المشاهدة لهم.
وقد أكد وعدهم بالشكر بثلاث مؤكدات : لاممِ توطئة القسم، ونوننِ التوكيد، والتعبير بصيغة ) من الشاكرين ( دون لنكونن شاكرين، لما يفيده من كونهم من هذه الزمرة التي ديدنها الشكر، كما تقدم بيان خصوصية مثل هذا التركيب عند قوله تعالى :( قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين في سورة الأنعام ( ٥٦ ).
وأتى بحرف ( إذا ) الفجائية في جواب ( لما ) للدلالة على تعجيلهم بالبغي في الأرض عقب النجاة.
والبغي : الاعتداء. وتقدم في قوله : والإثم والبغي بغير الحق في سورة الأعراف ( ٣٣ ). والمراد به هنا الإشراك كما صُرح به في نظيرها فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ( ( العنكبوت : ٦٥ ). وسمي الشرك بغياً لأنه اعتداء على حق الخالق وهو أعظم اعتداء، كما يسمى ظلماً في آيات كثيرة منها قوله :( إن الشرك لظلم عظيم ( ( لقمان : ١٣ ). ولا يحسن تفسير البغي هنا بالظلم والفساد في الأرض، إذ ليس ذلك شأن جميعهم فإن منهم حلماء قومهم، ولأنه لا يناسب قولَه بعد ) إنما بغيكم على أنفسكم ). ولمعنى هذه الآية في القرآن نظائر، كقوله :( وإذا مس الإنسان ضر دعا ربّه منيباً إليه ثم إذا خَوَّله نعمة منه نسي ما كَان يدعُو إليه من قبل وجَعل لله أنداداً ليضل عن سبيله ( ( الزمر : ٨ ) الآية.
وزيادة ) في الأرض ( لمجرد تأكيد تمكنهم من النجاة. وهو كقوله تعالى :( فلما نجّاهم إلى البر فمنهم مقتصد ( ( لقمان : ٣٢ ) أي جعلوا مكان أثر النعمة بالنجاة مكاناً للبغي.


الصفحة التالية
Icon