" صفحة رقم ١٤٢ "
فقوله :( كماء أنزلناه من السماء ( شُبه به ابتداء أطوار الحياة من وقت الصبا إذ ليس ثمة سوى الأمل في نعيم العيش ونضارته، فذلك الأمل يشبه حال نزول المطر من السماء في كونه سبب ما يؤمَّل منه مِن زخرف الأرض ونضارتها.
وقوله :( فاختلط به نبات الأرض ( شُبه به طور ابتداء نضارة العيش وإقبال زهرة الحياة، فذلك يشبه خروج الزرع بعيد المطر فيما يشاهد من بوارق المأمول، ولذلك عطف بفاء التعقيب للإيذان بسرعة ظهور النبات عقب المطر فيؤذن بسرعة نماء الحياة في أول أطوارها. وعبر عنه بالاختلاط بالماء بحيث ظهر قبل جفاف الماء، أي فاختلط النبات بالماء أي جاوره وقارنه.
وقوله :( مما يأكل الناس والأنعام ( وصف لنبات الأرض الذي منه أصناف يأكلها الناس من الخضروات والبقول، وأصنافٌ تأكلها الأنعام من العشب والكلأ، وذلك يشبَّه به ما ينعَم به الناس في الحياة من اللذات وما ينعم به الحيوان، فإن له حظاً في نعيم الحياة بمقدار نطاق حياته.
ولما كان ذلك قد تضمن المأكول والآكل صح أن تُشبه به رغَبات الناس في تناول لذائذ الحياة على حسب اختلاف مراتب الهمم، وذلك يتضمن تشبيه معالي الأمور من نعم الدنيا التي تسمو إليها الهمم العوالي بالنبات الذي يقتاته الناس، وتشبيهَ سفاسف الأمور بالنبات الذي يأكله الأنعام، ويتضمن تشبيه الذين يجنحون إلى تلك السفاسف بالأنعام، كقوله تعالى :( والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام ( ( محمد : ١٢ ).
والقول في ) حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ( كالقول في قوله :( حتى إذا كنتم في الفلك ( ( يونس : ٢٢ )، وهو غاية شبه بها بلوغ الانتفاع بخيرات الدنيا إلى أقصاه ونضوجه وتمامه وتكاثر أصنافه وانهماك الناس في تناولها ونسيانهم المصير إلى الفناء.
وأمر الله : تقديره وتكوينه. وإتيانه : إصابة تلك الأرض بالجوائح المعجلة لها باليبس والفناء.


الصفحة التالية
Icon