" صفحة رقم ١٥٢ "
عالمين ولا آمرين استقام نَفْيهم أن يكون عبدتهم قد عبدوهم تلك العبادة وإنما عبدوا غيرهم ممن أمروهم بالعبادة وهم الشياطين ولذلك قالوا :( إنْ كنا عن عبادتكم لغافلين ( كما تفسره الآية الأخرى وهي قوله تعالى :( أهؤلاء إياكم كانوا يعبُدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ( ( سبأ : ٤٠، ٤١ ).
فالمراد بالشركاء الأصنام لا غيرها، ويجوز أن يكون نُطقها بجحد عبادة المشركين هو أن خلق لها عقولاً فكانت عقولها مستحدثة يومئذٍ لم يتقرر فيها علم بأن المشركين عَبدوها. ويفسر هذا قولهم بعد ذلك ) إن كنا عن عبادتكم لغافلين ).
وجملة :( فكفى بالله شهيدا ( مؤكدة بالقسم ليُثبتوا البراءة مما ألصق بهم. وجواب القسم ) إن كنا عن عبادتكم لغافلين ). وليس قولهم :( كفى بالله شهيدا ( قسما على كلامهم المتقدم لأن شأن القسم أن يكون في صدر الجملة.
وعطفت جملة القسم بالفاء للدلالة على أن القسم متفرع على الكلام المتقدم لأن إخبارهم بنفي أن يكونوا يعبدونهم خبرٌ غريب مخالف لما هو مشاهد فناسب أن يفرع عليه ما يحققه ويبينه مع تأكيد ذلك بالقسم. والإتيان بفاء التفريع عند تعقيب الكلام بجملة قسمية من فصيح الاستعمال، كقوله تعالى :( كمَا أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ( ( الحجر : ٩٠ ٩٣ ). ومن خصائصه أنه إذا عطف بفاء التفريع كان مُؤكداً لما قبله بطريق تفريع القسم عليه ومؤكِّداً لما بعده بطريق جواب القسم به. وهذه الآية لم تفسَّر حق تفسيرها.
والشهيد : الشاهد، وهو المؤيد والمصدّق لدعوى مدع، كما تقدم في قوله تعالى :( فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا ( ( النساء : ٦ ).
و ( كفى ) بمعنى أجزأ وأغنى عن غيره. وتقدم في قوله تعالى :( وكفى بالله وليا في سورة النساء ( ٤٥ ). وهو صيغة خبر مستعمل في إنشاء القسم. والباء مزيدة للتأكيد. وأصله كفى الله شهيداً.


الصفحة التالية
Icon