" صفحة رقم ١٦٥ "
والضمير في قوله :( أكثرهم ( عائد إلى أصحاب ضمير ) شركائكم ( ( يونس : ٣٥ ) وضمير ) ما لكم كيف تحكمون ( ( يونس : ٣٥ ).
وإنما عَمَّهم في ضمائر ) شركائِكم و ما لَكم كيف تحكمون (، وخصّ بالحكم في اتِّباعهم الظن أكثرَهم، لأن جميع المشركين اتفقوا في اتباع عبادة الأصنام. وبين هنا أنهم ليسوا سواء في الإعتقاد الباعث لهم على عبادتها إيماء إلى أن من بينهم عُقَلاء قليلين ارتقت مدارك أفهامهم فوق أن يعتقدوا أن للأصنام تصرفاً ولكنهم أظهروا عبادتها تبعاً للهوَى وحفظاً للسيادة بين قومهم. والمقصود من هذا ليس هو تبرئة للذين عبدوا الأصنام عن غير ظن بإلهيتها فإنهم شر من الذين عبدوها عن تَخيل، ولكن المقصود هو زيادة الاستدلال على بطلان عبادتها حتى أن من عُبَّادها فريقاً ليسوا مطمئنين لتحقق إلهيتها. وبالتأمل يظهر أن هؤلاء هم خاصة القوم وأهل الأحلام منهم لأن المقام مقام تخطئة ذلك الظن. ففيه إيقاظ لجمهورهم، وفيه زيادة موعظة لخاصتهم ليقلعوا عن الاستمرار في عبادة ما لا تطْمئن إليه قلوبهم. وهذا كقوله الآتي :( ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به ( ( يونس : ٤٠ ).
والظن : يطلق على مراتب الإدراك، فيطلق على الإعتقاد الجازم الذي لا يشوبه شك، كما في قوله تعالى :( وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ( ( البقرة : ٤٥، ٤٦ ) ؛ ويطلق على الإعتقاد المشوب بشك. ويظهر أنه حقيقة في هذا الثاني وأنه مجاز في الأول لكنه في الأول شائع فصار كالمشترك. وقد تقدم في سورة البقرة عند الكلام على الآية المذكورة. ومنه قوله تعالى :( قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين في سورة الأعراف ( ٦٦ )، وقوله : وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه في سورة براءة ( ١١٨ ).
وقد أطلق مجازاً على الإعتقاد المخطىء، كما في قوله تعالى : إن بعض الظن إثم ( ( الحجرات : ١٢ ) وقول النبي عليه الصلاة والسلام إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.