" صفحة رقم ٢٥٥ "
إظهار بطلانه فذلك بمنزلة تقرير شبهة الملحد ممن يتصدى لإبطالها بعد تقريرها مثل طريقة عضد الدين الأيجي في كتابه ( المواقف ).
وقد طوي ذكر صورة سحرهم في هذه الآية، لأن الغرض من العبرة في هذه الآية وصف إصرار فرعون وملئه على الإعراض عن الدعوة، وما لقيه المستضعفون الذين آمنوا بموسى عليه السلام من اعتلاء فرعون عليهم وكيف نصر الله رسوله والمستضعفين معه، وكيف كانت لهم العاقبة الحسنى ولمن كفروا عاقبة السوء، ليكونوا مثلاً للمكذبين بمحمد ( ﷺ ) ولذلك لم يعرّج بالذّكر إلا على مقالة موسى عليه السلام حين رأى سحرهم الدالة على يقينه بربّه ووعده، وبأن العاقبة للحق. وذلك أهم في هذا المقام من ذكر اندحاض سحرهم تجاه معجزة موسى عليه السلام، ولأجل هذا لم يذكر مفعول ) ألقوا ( لتنزيل فعل ) ألقوا ( منزلة اللازم، لعدم تعلق الغرض ببيان مفعوله.
ومعنى ) جئتم به ( أظهرتموه لنا، فالمجيء قد استعمل مجازاً في الإظهار، لأن الذي يجيء بالشيء يظهره في المكان الذي جاءه، فالملازمة عرفية. وليس المراد أنهم جاؤوا من بقاع أخرى مصاحبين للسحر، لأنه وإن كان كثير من السحرة أو كلِّهم قد أقبلوا من مدن عديدة، غير أن ذلك التقدير لا يطرد في كل ما يعبر فيه بنحو : جاء بكذا، فإنه وإن استقام في نحو ) وجاءوا على قميصه بدَم كذب ( ( يوسف : ١٨ ) لا يستقيم في نحو ) إنّ الذين جَاءوا بالإفك ( ( النور : ١١ ).
ونظم الكلام على هذا الأسلوب بجَعْللِ ) ما جئتم ( مسنداً إليه دون أن يجعل مفعولاً لفعللِ ) سيبطله (، وبجَعْله اسماً مُبهماً، ثُم تفسيره بجملة ) جئتم به ( ثم بيانه بعطف البيان لقصد الاهتمام بذكره والتشويق إلى معرفة الخبر، وهو جملة ) إن الله سيبطله ( ثم مَجيء ضمير السحر مفعولاً لفعل ) سيبطله (، كل ذلك إطناب وتخريج على خلاف مقتضى الظاهر، ليتقرر الإخبار بثبوت حقيقة في السحر له ويتمكَّن في أذهان السامعين فَضل تمكن ويقع الرعب في نفوسهم.


الصفحة التالية
Icon