" صفحة رقم ٢٥٦ "
وقوله :( السحر ( قرأه الجمهور بهمزة وصل في أوله هي همزة ( ال )، فتكون ( ما ) في قوله :( ما جئتم به ( اسم موصول، والسحرُ عطفَ بيان لاسم الموصول. وقرأه أبو عمرو، وأبو جعفر ) آلسحر ( بهمزة استفهام في أوله وبالمد لتسهيل الهمزة الثانية، فتكون ( ما ) في قوله :( ما جئتم به ( استفهامية ويكون ( آلسحرَ ) استفهاماً مبيناً لِ ( ما ) الاستفهامية. وهو مستعم في التحقير. والمعنى : أنه أمر هين يستطيعه ناس كثيرون.
و ) إن الله سيبطله ( خبر ( ما ) الموصولة على قراءة الجمهور، واستئناف بياني على قراءة أبي عمرو ومن وافقه وتأكيد الخبر ب ( إن ) زيادة في إلقاء الرّوع في نفوسهم.
وإبطاله : إظهار أنه تخييل ليس بحقيقة، لأن إظهار ذلك إبطال لما أريد منه، أي أن الله سيبطل تأثيره على الناس بفضح سره، وأشارت علامة الاستقبال إلى قرب إبطاله، وقد حصل ذلك العلم لموسى عليه السلام بطريق الوحي الخاص في تلك القضية، أو العام باندراجه تحت قاعدة كلية، وهي مدلول ) إن الله لا يصلح عملَ المفسدين ).
فجملة :( إن الله لا يصلح عمل المفسدين ( معترضة، وهي تعليل لمضمون جملة ) إن الله سيبطله (، وتذييل للكلام بما فيه نفي الإصلاح. وتعريف ) المفسدين ( بلام الجنس، من التعميم في جنس الإصلاح المنفي وجنس المفسدين ليُعلم أن سحرهم هو من قبيل عمل المفسدين، وإضافة ) عمل ( إلى ) المفسدين ( يؤذن بأنه عمل فاسد، لأنه فعل مَنْ شأنُهم الإفساد فيكون نسجاً على منوالهم وسيرة على معتادهم، والمراد بإصلاح عمل المفسدين الذي نفاه أنه لا يؤيده. وليس المراد نفي تصييره صالحاً، لأن ماهية الإفساد لا تقبل أن تصير صلاحاً حتى ينفى تصييرها كذلك عن الله، وإنما إصلاحها هو إعطاؤها الصلاح، فإذا نفى الله إصلاحها فذلك بتركها وشأنَها، ومن شأن الفساد أن يتضاءل مع الزمان حتى يضمحل.


الصفحة التالية
Icon