" صفحة رقم ٢٥٧ "
ولما قدم قوله :( إن الله سيبطله ( عُلم أن المراد من نفي إصلاحه تسليط أسباب بطلانه عليه حتى يبطل تأثيره، وأن عدم إصلاح أعمال أمثالهم هو إبطال أغراضهم منها كقوله تعالى :( ويُبطلَ الباطلَ ( ( الأنفال : ٨ ) أي يظهرَ بطلانه.
وإنما كان السحرة مفسدين لأن قصدهم تضليل عقول الناس ليكونوا مسخرين لهم ولا يعلموا أسباب الأشياء فيبقوا ءالة فيما تأمرهم السحرة، ولا يهتدوا إلى إصلاح أنفسهم سبيلاً. أما السحرة الذين خاطبهم موسى عليه السلام فإفسادهم أظهر لأنهم يحاولون إبطال دعوة الحق والدين القويم وترويج الشرك والضلالات.
وجملة :( ويُحق الله الحق ( معطوفة على جملة :( إن الله سيبطله ( أي سيبطله ويحق الحق، أي يثبت المعجزة.
والإحقاق : التثبيت. ومنه سمِّي الحق حقاً لأنه الثابت.
وإظهار اسم الجلالة في هذه الجملة مع أن مقتضى الظاهر الإضمار لقصد تربية المهابة في نفوسهم. والباء في ) بكلماته ( للسببية.
والكلمات : مستعارة لتعلق قدرته تعالى بالإيجاد وهو التعلق المعبر عنه بالتكوين الجاري على وفق إرادته وعلى وفق علمه. وهي استعارة رشيقة، لأن ذلك التعلق يشبه الكلام في أنه ينشأ عنه إدراك معنى ويدل على إرادة المتكلم، وعلى علمه.
وجملة :( ولو كره المجرمون ( في موضع الحال، و ( لو ) وصلية، وهي تقتضي أن الحالة التي بعدها غاية فيما يُظن فيه تخلف حكم ما قبلها، كما تقدم عند قوله تعالى :( ولو افتدى به في سورة آل عمران ( ٩١ )، فيكون غير ذلك من الأحوال أجدر وأولى بتحقيق الحكم السابق معه. وإنما كانت كراهية المجرمين إحقاق الحق غاية لما يظن فيه تخلف الإحقاق لأن تلك الكراهية من شأنها أن تبعثهم على