" صفحة رقم ٢٧٠ "
والمعنى الحاصل من القراءتين متحد لأنهم إذا ضَلوا في أنفسهم وهم قادة قومهم كان ضلالهم تضليلاً لغيرهم، وكذلك إذا أضلوا الناس فإنهم ما أضلوهم إلا وهم ضالون مثلهم. وقد علمت آنفاً أن الزينة سبب ضلالهم والأموال سبب إضلال الناس.
وأعيد النداء ثالثَ مرة ؛ لزيادة تأكيد التوجه والتضرع.
وجملة :( اطمس على أموالهم ( هي المقصود من هذا الكلام، والنداء يقوم مقام وصل الجملة بما قبلها بمنزلة حرف العطف.
والطمْس : المَحْو والإزالة. وقد تقدم في قوله :( من قبل أن نَطْمس وجوهاً في سورة النساء ( ٤٧ ). وفعله يتعدى بنفسه كما في آية سورة النساء، ويُعدى بحرف ( على ) كما هنا. وقوله تعالى : ولو نشاء لطمسنا على أعينهم في سورة يس ( ٦٦ ). ولعل تعديته ب ( على ) لإرادة تمكن الفعل من المفعول، أو لتضمين الطمس معنى الاعتلاء بآلة المحو والإزالة، فطمس الأموال إتلافها وإهلاكها.
وأما قوله : واشدد ( فأحسب أنه مشتق من الشد، وهو العسر. ومنه الشدة للمصيبة والتحرج، ولو أريد غير ذلك لقيل : واطبع، أو واختم، أو نحوهما، فيكون شدّ بمعنى أدخل الشدّ أو استعمله مثل جَد في كلامه، أي استعمَل الجد.
وحرف ( على ) مستعار لمعنى الظرفية استعارة تبعية لإفادة تمكن الشدة. والمعنى : أدخل الشدة في قلوبهم.
والقلوب : النفوس والعقول. والمعنى : أنه يدعو عليهم بالأنكاد والأحزان التي تجعل قلوبهم في ضيق وحرج أي اجعلهم في عناء وبلبلة بال ما داموا في الكفر. وهذا حرص منه عليه السلام على وسائل هدايتهم رجاء أنهم إذا زالت عنهم النعم وضاقت صدورهم بكروب


الصفحة التالية
Icon