" صفحة رقم ٣٢١ "
والثّنْي : الطّيُّ، وأصل اشتقاقه من اسم الاثنين. يقال : ثَنَاه بالتخفيف، إذا جعله ثانياً، يقال : هذا وَاحد فاثْنِه، أي كن ثانياً له، فالذي يطوي الشيء يجعل أحد طاقيه ثانياً للذي قبلَه ؛ فثنيُ الصدور : إمالتها وحَنيها تشبيهاً بالطي. ومعنى ذلك الطأطأة.
وهذا الكلام يحتمل الإجراءَ على حقيقة ألفاظه من الثني والصدور. ويحتمل أن يكون تمثيلاً لهيئة نفسية بهيئة حسية.
فعلى الاحتمال الأول : يكون ذلك تعجيباً من جهالة أهل الشرك إذ كانوا يقيسون صفات الله تعالى على صفات الناس فيحسبون أن الله لا يطلع على ما يحجبونه عنه. وقد روي أن الآية أشارت إلى ما يفعله المشركون أن أحدهم يدخل بيته ويرخي الستر عليه ويستغشي ثوبه ويحني ظهره ويقول : هل يعلم الله ما في قلبي ؟ وذلك من جهلهم بعظمة الله.
ففي ( البخاري ) عن ابن مسعود : اجتمع عند البيت قريشيان وثقفي، كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول ؟ قال الآخر : يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا. وقال الآخر : إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا. فأنزل الله تعالى :( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين ( ( فصلت : ٢٢، ٢٣ ).
وجميع أخطاء أهل الضلالة في الجاهلية والأديان الماضية تسري إلى عقولهم من النظر السقيم، والأقيسة الفاسدة، وتقدير الحقائق العالية بمقادير متعارفهم وعوائدهم، وقياس الغائب على الشاهد. وقد ضل كثير من فرق المسلمين في هذه المسالك لولا أنهم ينتهون إلى معلومات ضرورية من الدين تعصمهم عند الغاية عن الخروج عن دائرة الإسلام وقد جاء بعضهم وأوشك أن يقع.


الصفحة التالية
Icon