" صفحة رقم ٣٢٢ "
وعلى الاحتمال الثاني : فهو تمثيل لحالة إضمارهم العداوة للنبيء ( ﷺ ) في نفوسهم وتمويه ذلك عليه وعلى المؤمنين به بحال من يثني صدره ليخفيه ومن يستغشي ثوبه على ما يريد أن يستره به. وهذا الاحتمال لا يناسب كون الآية مكية إذ لم يكن المشركون يومئذٍ بمصانعين للنبيء ( ﷺ ) وتأويلها بإرادة أهل النفاق يقتضي أن تكون الآية مدنية. وهذا نقله أحد من المفسرين الأولين. وفي ( أسباب النزول ) للواحدي أنها نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زُهرة وكان رجلاً حُلو المنطق، وكان يظهر المودة للنبيء ( ﷺ ) وهو منطو على عداوته، أي عداوة الدين، فضرب الله ثني الصدور مثلاً لإضماره بغض النبي ( ﷺ ) فهو تمثيل وليس بحقيقة. وصيغة الجمع على هذا مستعملة في إرادة واحدة لقصد إبهامه على نحو قوله :( الذين قال لهم الناس ( ( آل عمران : ١٧٣ ) قيل فإنه هو الأخنس بن شريق.
ووقع في ( صحيح البخاري ) أن ابن عباس سئل عن هذه الآية فقال : كان ناس من المسلمين يستخفون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزلت هذه الآية. وهذا التفسير لا يناسب موقع الآية ولا اتساق الضمائر. فلعل مراد ابن عباس أن الآية تنطبق على صنيع هؤلاء وليس فعلهم هو سبب نزولها. واعلم أن شأن دعوة الحق أن لا تذهب باطلاً حتى عند من لم يصدقوا بها ولم يتبعوها، فإنها تَلفت عقولهم إلى فَرض صدقها أو الاستعداد إلى دفعها، وكل ذلك يثير حقيقتها ويُشيع دراستها. وكم من معرضين عن دعوة حق ما وسعهم إلا التحفز لشأنها والإفاقة من غفلتهم عنها. وكذلك كان شأن المشركين حين سمعوا دعوة القرآن إذْ أخذوا يتدبرون وسائل مقاومتها ونقضها والتفهم في معانيها لإيجاد دفعها، كحال العاصي بن وائل قال لخباب بن الأرَتّ حين تقاضاه أجرَ سيف صنعه فقال له : لا أقضيكه حتى تكفر بمحمد. فقال خَباب : لا أكفر به حتى يميتك الله ثم يحييك. فقال العَاصي له : إذا أحياني الله بعد موتي فسيكون لي مال فأقضيك منه. فنزل


الصفحة التالية
Icon