" صفحة رقم ٨٤ "
والعجب : مصدر عَجِب، إذا عَدَّ الشيءَ خارجاً عن المألوف نادر الحصول. ولما كان التعجب مبدأ للتكذيب وهم قد كذبوا بالوحي إليه ولم يقتصروا على كونه عجيباً جاء الإنكار عليهم بإنكار تعجبهم من الإيحاء إلى رجل من البشر لأن إنكار التعجب من ذلك يؤول إلى إنكار التكذيب بالأوْلى ويَقلع التكذيب من عروقه.
ويجوز أن يكون العجب كناية عن إحالة الوقوع، كما في قوله تعالى :( قالت يا ويْلتي أألِدُ وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله في سورة هود ( ٧٢، ٧٣ ) وقوله : أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم في سورة الأعراف ( ٦٣ ). وكانت حكاية تعجبهم بإدماج ما يفيد الرد عليهم بأن الوحي كانَ إلى رجل من الناس وذلك شأن الرسالات كلها كما قال تعالى : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً يُوحى إليهم ( ( النحل : ٤٣ ) وقال :( ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً ( ( الأنعام : ٩ ) وقال :( قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً ( ( الإسراء : ٩٥ ).
وأطلق ) الناس ( على طائفة من البشر، والمراد المشركون من أهل مكة لأنهم المقصود من هذا الكلام. وهذا الإطلاق مثل ما في قوله :( إن الناس قد جمعوا لكم ( ( آل عمران : ١٧٣ ). وعن ابن عباس أنكرت طائفة من العرب رسالة محمد ( ﷺ ) فقالوا : الله أعظم من أن يكون له رسول بشراً، فأنزل الله تعالى :( أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس ).
و ) أن ( في قوله :( أن أنذر الناس ( تفسيرية لفعل ) أوحينا ( لأن الوحي فيه معنى القول.
و ) الناس ( الثاني يعم جميع البشر الذين يمكن إنذارهم، فهو عموم عرفي. ولكون المراد ب ) الناس ( ثانياً غير المراد به أولَ ذُكر بلفظه الظاهر دون أن يقال : أن أنذرهم.
ولما عطف على الأمر بالإنذار الأمرُ بالتبشير للذين آمنوا بقي ) الناس ( المتعلق بهم الإنذار مخصوصاً بغير المؤمنين.


الصفحة التالية
Icon