" صفحة رقم ٨٥ "
وحذف المنذر به للتهويل، ولأنه يُعلم حاصله من مقابلته بقوله :( وبشر الذين آمنوا أن لهم قَدَم صدق (، وفعل التبشير يتعدى بالباء، فالتقدير : وبشر الذين آمنوا بأن لهم قدم صدق، فحذف حرف الجر مع ( أنَّ ) جرياً على الغالب.
والقَدم : اسم لما تَقدم وسلَف، فيكون في الخير والفضل وفي ضده. قال ذو الرمة :
لكم قَدم لا ينكِر الناس ألها
مع الحَسَب العادِيّ طَمَّت على البحر
وذكر المازري في ( المُعْلم ) عن ابن الأعرابي : أن القدم لا يعبر به إلا عن معنى المقدم لكن في الشرف والجلالة. وهو فَعَل بمعنى فاعل مثل سلَف وثَقَل. قال ابن عطية : ومن هذه اللفظة قول النبي ( ﷺ ) في صفة جهنم :( حتى يضع رب العزة فيها قَدَمه فتقول قط قط ) يشير إلى حديث أنس بن مالك قال نبيء الله ( ﷺ ) ما تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة ( وفي رواية الجبار ) فيها قدمه فتقول قط قط، وعزتك. ويُزوَى بعضُها إلى بعض. وهذا أحد تأويلين لمعنى ( قَدمه ). وأصل ذلك في ( المُعلم على صحيح مسلم ) للمازري وعزاه إلى النضر بن شميل.
والمراد ب ) قدم صدق ( في الآية قدم خَير، وإضافة ) قدم ( إلى ) صِدق ( من إضافة الموصوف إلى الصفة. وأصله قدمٌ صِدقٌ، أي صادق وهو وصف بالمصدر : فعلى قول الجمهور يكون وصف ) صدق ( ل ) قدم ( وصفاً مقيِّداً. وعلى قول ابن الأعرابي يكون وصفاً كاشفاً.
والصدق : موافقة الشيء لاعتقاد المعتقد، واشتهر في مطابقة الخَبر. ويضاف شيء إلى ( صدق ) بمعنى مصادفته للمأمول منه المرضي وأنه لا يخيب ظن آمل كقوله :( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ( ( يونس : ٩٠ ) وقوله :( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ( ( القمر : ٥٥ ).
وقوله :( أن أنذر الناس ( تفسير لفعل ) أوحينا ). وإنما اقتصر على ذكر هذا الموحى به لأن ذلك هو الذي حملهم على التكذيب إذ صادف صرفهم عن ضلاله دينهم وسمعوا منه تفضيل المؤمنين عليهم. وإيضاً في ذكر المفسِّر إدماج لبشارة المؤمنين بهذه المزية.


الصفحة التالية
Icon