" صفحة رقم ٨٧ "
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الاَْمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (
استئناف ابتدائي للاستدلال على تفرد الله تعالى بالإلهية. وإنما أوقع هنا لأن أقوى شيء بَعثَ المشركين على ادعاء أن ما جاء به النبي سحر هو أنه أبطل الشركاء لله في الإلهية ونفاها عن آلهتهم التي أشركوا بها فقالوا :( أجعل الآلهةَ إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ( ( ص : ٥ ) فلا جرم أن أعقب إنكار إحالتهم ذلك بإقامة الدليل على ثبوته.
والخطاب للمشركين، ولذلك أكد الخبر بحرف التوكيد، وأوقع عقبه ) أفلا تذكرون ( ( يونس : ٢ )، فهو التفات من الغيبة في قوله :( أكَانَ للناس عجباً وقوله قال الكافرون ). وقد مضى القول في نظير صدر هذه الآية في سورة الأعراف إلى قوله :( ثم استوى على العرش ).
وقوله :( الله ( خبر ) إن (، كما دل عليه قوله بعده :( ذالكم الله ربكم فاعبدوه ).
وجملة ) يدبر الأمر ( في موضع الحال من اسم الجلالة، أو خبر ثان عن ) ربكم ).
والتدبير : النظر في عواقب المقدرات وعوائقها لقصد إيقاعها تامة فيما تقصد له محمودةَ العاقبة.
والغاية من التدبير الإيجاد والعملُ على وفق ما دُبر. وتدبير الله الأمور عبارة عن تمام العلم بما يخلقها عليه، لأن لفظ التدبير هو أوفى الألفاظ اللغوية بتقريب إتقان الخلق.
والأمر : جنس يعم جميع الشؤون والأحوال في العالم. وتقدم في قوله ) وقلَّبوا لك الأمور في سورة براءة ( ٤٨ ).
وفي إجراء هذه الصفات على الله تعالى تعريض بالرد على المشركين إذ جعلوا لأنفسهم آلهة لا تخلق ولا تعلم ؛ كما قال تعالى : لا يخلُقون شيئاً وهم يخلقون ( ( النحل : ٢٠ ).


الصفحة التالية
Icon