" صفحة رقم ٩٩ "
ولوقوع هذه الجملة موقع الوعيد الصالح لأن يعلمه الناس كلهم مؤمنهم وكافرهم عدل فيها عن طريقة الخطاب بالضمير إلى طريقة الإظهار، وجيء بالموصولية للإيماء إلى أن الصلة علة في حُصول الخبر.
وقد جُعل عنوان الذين لا يرجون لقاءنا علامة عليهم فقد تكرر وقوعه في القرآن. ومن المواقع ما لا يستقيم فيه اعتبار الموصولية إلا للاشتهار بالصلة كما سنذكر عند قوله تعالى :( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا ( في هذه السورة ( ١٥ ).
والرجاء : ظن وقوع الشيء من غير تقييد كون المظنون محبوباً وإن كان ذلك كثيراً في كلامهم لكنه ليس بمتعيّن. فمعنى :( لا يرجون لقاءنا ( لا يظنونه ولا يتوقعونه.
ومعنى :( رضوا بالحياة الدنيا ( أنهم لم يعملوا النظر في حياة أخرى أرقى وأبقى لأن الرضا بالحياة الدنيا والاقتناع بأنها كافية يصرف النظر عن أدلة الحياة الآخرة، وأهل الهدى يرون الحياة الدنيا حياةً ناقصة فيشعرون بتطلب حياة تكون أصفى من أكدارها فلا يلبثون أن تطلع لهم أدلة وجودها، وناهيك بإخبار الصادق بها ونصب الأدلة على تعيّن حصولها، فلهذا جعل الرضى بالحياة الدنيا مذمة ومُلقياً في مهواة الخسران.
وفي الآية إشارة إلى أن البهجة بالحياة الدنيا والرضى بها يكون مقدارُ التوغل فيهما بمقدار ما يصرف عن الاستعداد إلى الحياة الآخرة. وليس ذلك بمقتض الإعراض عن الحياة الدنيا فإن الله أنعم على عباده بنعم كثيرة فيها وجب الاعتراف بفضله بها وشكره عليها والتعرف بها إلى مراتب أعلى هي مراتب حياة أخرى والتزود لها. وفي ذلك مقامات ودرجات بمقدار ما تهيأت له النفوس العالية من لذات الكمالات الروحية، وأعلاها مقام قول النبي ( ﷺ ) ( فقلتُ ما لي وللدنيا ).
والاطمئنان : السكون يكون في الجسد وفي النفس وهو الأكثر، قال تعالى :( يأيتها النفس المطئنة ( ( الفجر : ٢٧ ). وقد تقدم تصريف هذا الفعل عند قوله تعالى :( ولكن ليطمئن قلبي في سورة البقرة ( ٢٦٠ ).