" صفحة رقم ٢٠٩ "
عن موجودات شريفة، وأنّ سجود المخلوقات الشّريفة له كناية عن عظمة شأنه. ولعلّهُ علم أنّ الكواكب كناية عن موجودات متماثلة، وأنّ الشمس والقمر كناية عن أصلين لتلك الموجودات فاستشعر على الإجمال دلالة رؤياه على رفعة شأنه فأخبر بها أباه.
وكانوا يعدّون الرؤيا من طرق الإنباء بالغيب، إذا سلمت من الاختلاط وكان مزاج الزائي غير منحرف ولا مضطرب، وكان الرائي قد اعتاد وقوع تأويل رؤياه، وهو شيء ورثوه من صفاء نفوس أسلافهم إبراهيم وإسحاق عليهم السّلام. فقد كانوا آل بيت نبوءة وصفاء سريرة.
ولمّا كانت رؤيا الأنبياء وَحْياً، وقد رأى إبراهيم عليه السّلام في المنام أنّه يذبح وَلَد فلمّا أخبره ) قال يا أبت افْعل ما تؤمَر ( سورة الصافات : ١٠٢ ). وإلَى ذلك يشير قول أبي يوسف عليه السّلام : ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق ( سورة يوسف : ٦ ). فلا جرم أن تكون مرائي أبنائهم مكاشفة وحديثاً ملكياً.
وفي الحديث : لم يَبق من المبشرات إلاّ الرؤيا الصّالحة يراها المسلم أو ترى له.
والاعتداد بالرؤيا من قديم أمور النبوءة. وقد جاء في التّوراة أن الله خاطب إبراهيم عليه السّلام في رؤيا رآها وهو في طريقه ببلاد شاليم بلد ملْكي صَادق وبشّره بأنه يهبه نسلاً كثيراً، ويعطيه الأرض التي هو سائر فيها ( في الإصحاح ١٥ من سفر التكوين ).
أما العرب فإنهم وإن لم يرد في كلامهم شيء يفيد اعتدادهم بالأحلام، ولعل قول كعب بن زهير :
إن الأماني والأحلام تضليل


الصفحة التالية
Icon