" صفحة رقم ٢١٠ "
يفيد عدم اعتدادهم بالأحلام، فإن الأحلام في البيت هي مرائي النوم.
ولكن ذكر ابن إسحاق رؤيا عبد المطلب وهو قائم في الحِجْر أنه أتاه آت فأمره بحفر بئر زمزم فوصَف له مكانها، وكانت جرهم سَدَموها عند خروجهم من مكة. وذكر ابن إسحاق رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب أن : راكباً أقبل على بعير فوقف بالأبطح ثم صرخ : يا آل غُدَر أُخرُجوا إلى مصارعكم في ثلاث فكانت وقعة بدر عقبها بثلاث ليال.
وقد عدت المرائي النوميّة في أصول الحكمة الإشراقية وهي من تراثها عن حكمة الأديان السّالفة مثل الحنيفية. وبالغ في تقريبها بالأصول النفسية شهاب الدّين الحكيم السهروردي في هياكل النور وحكمة الإشراق، وأبو علي بن سينا في الإشارات بما حاصله : وأصله : أنّ النفس الناطقة ( وهي المعبّر عنها بالروح ) هي من الجواهر المجرّدة التي مَقرها العالم العلوي، فهي قابلة لاكتشاف الكائنات على تفاوت في هذا القبول، وأنّها تودع في جسم الجنين عند اكتمال طور المضغة، وأنّ للنفس الناطقة آثاراً من الانكشافات إذا ظهرت فقد ينتقش بعضها بمدارك صاحب النفس في لوح حسّه المشترك، وقد يصرفه عن الانتقاش شاغلان : أحدهما } حِسّيّ خارجيّ، والآخر باطنيّ عقليّ أو وهميّ، وقوَى النفس متجاذبة متنازعة فإذا اشتدّ بعضُها ضعف البعضُ الآخر كما إذا هاج الغضب ضعفت الشهوة، فكذلك إنْ تَجَرّدَ الحس الباطن للعمل شغل عن الحسّ الظاهر، والنوم شاغل للحسّ، فإذا قلّت شواغل الحواس الظاهرة فقد تتخلّص النفس عن شغل مخيلاتها، فتطلّع على أمور مغيبة، فتكونُ المنامات الصادقة.
والرؤيا الصادقةُ حالةٌ يكرم الله بها بعض أصْفيائه الذين زكت نفوسهم فتتّصل نفوسهم بتعلّقات من علم الله وتعلّقات من إرادته وقدرته وأمره التكوينيّ فتنكشف بها الأشياء المغيبة بالزّمان قبل وقوعها، أو المغيبة بالمكان قبل اطلاع الناس عليها اطلاعاً عاديّاً، ولذلك قال النبي ( ﷺ )