" صفحة رقم ٢٥٣ "
المدلول عليه باللام، لأنه لما أردفت جملة ) وهمّ بها ( بجملة شرط ) لولا ( المتمحض لكونه من أحوال يوسف عليه السّلام وحْده لا من أحوال امرأة العزيز تعين أنه لا علاقة بين الجملتين، فتعين أن الثانية مستقلة لاختصاص شرطها بحال المسند إليه فيها. فالتقدير : ولولا أن رأى برهان ربه لَهَمّ بها، فقدم الجواب على شرطه للاهتمام به. ولم يقرن الجواب باللاّم التي يكثر اقتران جواب ) لولا ( بها لأنه ليس لازماً ولأنه لمّا قُدم على ) لولا ( كُره قرنه باللام قبل ذكر حرف الشرط، فيحسن الوقف على قوله :( ولقد همت به ( ليظهر معنى الابتداء بجملة ) وهَمّ بها ( واضحاً. وبذلك يظهر أن يوسف عليه السّلام لم يخالطه همّ بامرأة العزيز لأن الله عصمه من الهمّ بالمعصية بما أراه من البرهان.
قال أبو حاتم : كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة فلما أتيت على قوله :( ولقد همّت به وهمّ بها ( الآية قال أبو عبيدة : هذا على التقديم والتأخير، أي تقديم الجواب وتأخير الشرط، كأنه قال : ولقد همّت به ولولا أن رأى برهان ربه لَهَمّ بها.
وطعن في هذا التأويل الطبري بأن جواب ) لولا ( لا يتقدم عليها. ويدفع هذا الطعن أن أبا عبيدة لما قال ذلك علمنا أنه لا يرى منع تقديم جواب ) لولا (، على أنه قد يجعل المذكور قبل ) لولا ( دليلاً للجواب والجواب محذوفاً لدلالة ما قبل ) لولا ( عليه. ولا مفرّ من ذلك على كل تقدير فإن ) لولا ( وشرطها تقييد لقوله :( وهمّ بها ( على جميع التأويلات، فما يقدّر من الجواب يقدّر على جميع التأويلات.
وقال جماعة : هَمّ يوسف بأن يجيبها لما دعته إليه ثم ارعوى وانكفّ على ذلك لما رأى برهان ربه. قاله ابن عباس، وقتادة، وابن أبي مليكة، وثعْلب. وبيان هذا أنه انصرف عمّا همّ به بحفظ الله أو بعصمته، والهمّ بالسيئة مع الكف عن إيقاعها ليس بكبيرة فلا ينافي عصمة الأنبياء من الكبائر قبل النبوءة على قول من رأى عصمتهم منها قبل النبوءة، وهو قول الجمهور،


الصفحة التالية
Icon