" صفحة رقم ٢٥٤ "
وفيه خلاف، ولذلك جوز ابن عباس ذلك على يوسف. وقال جماعة : هَمّ يوسف وأخذ في التهيّؤ لذلك فرأى برهاناً صرفه عن ذلك فأقلع عن ذلك. وهذا قول السديّ، ورواية عن ابن عباس. وهو يرجع إلى ما بيناه في القول الذي قبله.
وقد خبط صاحب ( الكشاف ) في إلصاق هذه الروايات بمن يسميهم الحشوية والمجْبرة، وهو يعني الأشاعرة، وغض بصره عن أسماء من عزيت إليهم هذه التّأويلات ( رمتني بدائها وانسلت ) ولم يتعجب من إجماع الجميع على محاولة إخوة يوسف عليه السّلام قتلَه والقتلُ أشد.
والرؤية : هنا عِلمية لأن البرهان من المعاني التي لا ترى بالبصر.
والبرهان : الحجة. وهذا البرهان من جملته صرفهُ عن الهمّ بها، ولولا ذلك لكان حال البشرية لا يسلم من الهمّ بمطاوعتها في تلك الحالة لتوفّر دواعي الهمّ من حسنها، ورغبتها فيه، واغتباط أمثاله بطاعتها، والقرب منها، ودواعي الشباب المسولة لذلك، فكان برهان الله هو الحائل بينه وبين الهمّ بها دون شيء آخر.
واختلف المفسرون في ما هو هذا البرهان، فمنهم من يشير إلى أنه حجة نظرية قبّحت له هذا الفعل، وقيل : هو وحي إلهي، وقيل : حفظ إلهي، وقيل : مشاهدات تمثلت له.
والإشارة في قوله :( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ( إلى شيء مفهوم مما قبله بتضمنه قوله :( رأى برهان ربّه (، وهو رأي البرهان، أي أريناه كذلك الرأي لنصرف عنه السوء.
والصرف : نقل الشيء من مكان إلى مكان، وهو هنا مجاز عن الحفظ من حلول الشيء بالمحل الذي من شأنه أن يحل فيه. عبر به عن العصمة من شيء