" صفحة رقم ١٣٦ "
ولذلك تعين أن موقع جملة إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ( موقع الخبر المستعمل في تعجيب الرسول عليه الصلاة والسلام من شدة ضلالهم بحيث يوقن من شاهد حالهم أن الضلال والاهتداء بيد الله وأنهم لولا أنهم جبلوا من خلقة عقولهم على اتباع الضلال لكانوا مُهتدين لأن أسباب الهداية واضحة.
وتحت هذا التعجيب معان أخرى :
أحدها : أن آيات صدق النبي ( ﷺ ) واضحة لولا أن عقولهم لم تدركها لفساد إدراكهم.
الثاني : أن الآيات الواضحة الحسية قد جاءت لأمم أخرى فرأوها ولم يؤمنوا، كما قال تعالى :( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ( سورة الإسراء : ٥٩ ).
الثالث :( أن لعدم إيمانهم أسباباً خفية يعلمها الله قد أبهمت بالتعليق على المشيئة في قوله :( يضل من يشاء ( منها ما يُومىء إليه قوله في مقابلة ) ويهدي إليه من أناب ). وذلك أنهم تكبروا وأعرضوا حين سمعوا الدعوة إلى التوحيد فلم يتأملوا، وقد ألقيت إليهم الأدلة القاطعة فأعرضوا عنها ولو أنابوا وأذعنوا لهداهم الله ولكنهم نفروا. وبهذا يظهر موقع ما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يجيب به عن قولهم :( لولا أنزل عليه آية من ربه ( بأن يقول :( إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب (، وأن ذلك تعريض بأنهم ممن شاء الله أن يكونوا ضالين وبأن حالهم مثار تعجب.
والإنابة : حقيقتها الرجوع. وأطلقت هنا على الاعتراف بالحق عند ظهور دلائله لأن النفس تنفر من الحق ابتداء ثم ترجع إليه، فالإنابة هنا ضد النفور.