" صفحة رقم ١٦٠ "
والجار والمجرور من اسم الإشارة نائب عن المفعول المطلق. والتقدير ؛ أنزلناه إنزالاً كذلك الإنزال.
و ) حكماً عربياً ( حالان من ضمير ) أنزلناه ). والحكم : هنا بمعنى الحكمة كما في قوله :( وآتيناه الحكم صبيا ( سورة مريم : ١٢ ). وجُعل نفس الحكم حالاً منه مبالغة. والمراد أنه ذو حكم، أي حكمة. والحكمة تقدمت.
وعربياً ( حال ثانية وليس صفة ل ) حكماً ( إذ الحكمة لا توصف بالنسبة إلى الأمم وإنما المعنى أنه حكمة معبر عنها بالعربية. والمقصود أنه بلغة العرب التي هي أفصح اللغات وأجملها وأسهلها، وفي ذلك إعجازه. فحصل لهذا الكتاب كمالان : كمال من جهة معانيه ومقاصده وهو كونه حكماً، وكمال من جهة ألفاظه وهو المكنى عنه بكونه عربياً، وذلك ما لم يبلغ إليه كتاب قبله لأن الحكمة أشرف المعقولات فيناسب شرفها أن يكون إبلاغها بأشرف لغة وأصلحها للتعبير عن الحكمة، قال تعالى :( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ( سورة الشعراء : ١٩٢ ١٩٥ ).
ثم في كونه عربياً امتنان على العرب المخاطبين به ابتداء بأنه بلغتهم وبأن في ذلك حسن سمعتهم، ففيه تعريض بأفن رأي الكافرين منهم إذ لم يشكروا هذه النعمة كما قال تعالى : لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون ( سورة الأنبياء : ١٠ ). قال مالك : فيه بقاء ذكركم.
وجملة ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ( معترضة، واللام موطئة للقسم وضمير الجمع في قوله :( أهواءهم ( عائد إلى معلوم من السياق وهم المشركون الذين وجه إليهم الكلام.
واتباع أهوائهم يحتمل السعي لإجابة طلبتهم إنزال آية غير القرآن تحذيراً من أن يسأل الله إجابتهم لما طلبوه كما قال لنوح عليه السلام ) فلا تسألني ما ليس لك به علم إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين ).