" صفحة رقم ٢٠٣ "
الذين كفروا رسلَهم تكذيباً قاطعاً وتَوَقَعَ الرسلُ أذاه قومهم إياهم شأن القاطع بكذب من زَعم أنه مرسل من الله، ولأنهم قد بدأوهم بالأذى كما دل عليه قولهم :( وَلنصبرنّ على ما آذيتمونا ). أظهر الرسل لقومهم أنهم غير غافلين عن ذلك وأنهم يتلقون ما عسى أن يواجهَهُم به المكذّبون من أذى بتوكّلهم على الله هم ومن آمن معهم ؛ فابتدأوا بأن أمروا المؤمنين بالتوكل تذكيراً لهم لئلا يتعرّض إيمانهم إلى زعزعة الشك حرصاً على ثبات المؤمنين، كقول النبي ( ﷺ ) لعمر رضي الله عنه :( أفي شك أنت يابنَ الخطّاب ). وفي ذلك الأمر إيذان بأنهم لا يعبأون بما يضمره لهم الكافرون من الأذى، كقول السحرة لفرعون حين آمنوا ) لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون ( سورة الشعراء : ٥٠ ).
وتقديم المجرور في قوله : وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( مؤذن بالحصر وأنهم لا يرجون نصراً من غير الله تعالى لضعفهم وقلة ناصرهم. وفيه إيماء إلى أنهم واثقون بنصر الله.
والجملة معطوفة بالواو عطف الإنشاء على الخبر.
والفاء في قوله :( فليتوكل المؤمنون ( رابطة لجملة ( ليتوكل المؤمنون ) بما أفادهُ تقديم المجرور من معنى الشرط الذي يدل عليه المقام. والتقدير : إن عجبتم من قلة اكتراثنا بتكذيبكم أيها الكافرون، وإن خشيتم هؤلاء المُكذّبين أيها المؤمنون فليتوكل المؤمنون على الله فإنهم لن يضيرهم عدوّهم. وهذا كقوله تعالى :( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين كما تقدم في سورة العقود ( ٢٣ ).
والتوكّل : الاعتماد وتفويض التدبير إلى الغير ثقة بأنه أعلم بما يصلح، فالتوكل على الله تحقق أنه أعلم بما ينفع أولياءَه من خير الدنيا والآخرة. وقد تقدم الكلام على التوكّل عند قوله تعالى : فإذا عزمت فتوكل على الله في سورة آل عمران ( ٥٩ ).
وجملة وما لنا ألا نتوكل على الله ( استدلال على صدق رأيهم في تفويض


الصفحة التالية
Icon