" صفحة رقم ٢٣٢ "
ولما كانوا متحلين بالكمال صِيغَ الحديث عنهم بعنوان الوصف بالإيمان، وبصيغة الأمر بما هم فيه من صلاة وإنفاق لقصد الدوام على ذلك، فحصلت بذلك مناسبة وقع هذه الآية بعد التي قبلها لمناسبة تضاد الحالين.
ولما كان المؤمنون يقيمون الصلاة من قبل وينفقون من قبل تعين أن المراد الاستزادة من ذلك، ولذلك اختير المضارع مع تقدير لام الأمر دون صيغة فعل الأمر لأن المضارع دال على التجدد، فهو مع لام الأمر يلاقي حال المتلبس بالفعل الذي يؤمر به بخلاف صيغة ( افعل ) فإن أصلها طلب إيجاد الفعل المأمور به من لم يكن ملتبساً به، فأصل يقيموا الصلاة ( ليقيموا، فحذفت لام الأمر تخفيفاً.
وهذه هي نكتة ورود مثل هذا التركيب في مواضع وروده، كما في هذه الآية وفي قوله ) وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن في سورة الإسراء ( ٥٢ )، أي قل لهم ليقيموا وليقولوا، فحكي بالمعنى.
وعندي : أن منه قوله تعالى : ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون في سورة الحجر ( ٣ )، أي ذرهم ليأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل. فهو أمر مستعمل في الإملاء والتهديد، ولذلك نوقن بأن الأفعال هذه معمولة للام أمر محذوفة. وهذا قول الكسائي إذا وقع الفعل المجزوم بلام الأمر محذوفة بعد تقدم فعل قل (، كما في ( مغني اللبيب ) ووافقه ابن مالك في ( شرح الكافية ). وقال بعضهم : جزم الفعل المضارع في جواب الأمر ب ) قل ( على تقدير فعل محذوف هو المقول دل عليه ما بعده. والتقدير : قل لعبادي أقيموا يقيموا وَأنفقوا ينفقوا. وقال الكسائي وابن مالك إن ذلك خاص بما يقع بعد الأمر بالقول كما في هذه الآية، وفاتهم نحو آية ) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا.
وزيادة مما رزقناهم ( للتذكير بالنعمة تحريضاً على الإنفاق ليكون شكراً للنعمة.