" صفحة رقم ١٣٤ "
مكراً بالمؤمنين، إذ المكر إلحاق الضرّ بالغير في صورة تمويهه بالنّصح والنّفع، فنُظّر فعلهم بمكر من قبلهم، أي من الأمم السابقة الذين مكروا بغيرهم مثل قوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم فرعون، قال تعالى في قوم صالح : ومكروا مكراً ومكرنا مكراً ( سورة النحل : ٥٠ ) الآية، وقال : وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون ( سورة الأنعام : ١٢٣ ).
فالتعريف بالموصول في قوله تعالى : الذين من قبلهم ( مساوٍ للتعريف بلام الجنس.
ومعنى ( أتى الله بنيانهم ) استعارة بتشبيه القاصد للانتقام بالجائي نحو المنتقم منه، ومنه قوله تعالى :( فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ( سورة الحشر : ٢ ).
وقوله تعالى : فأتى الله بنيانهم من القواعد ( تمثيل لحالات استئصال الأمم، فالبنيان مصدر بمعنى المفعول. أي المبنى، وهو هنا مستعار للقوّة والعزّة والمنعة وعلوّ القدر.
وإطلاق البناء على مثل هذا وارد في فصيح الكلام. قال عبدة بن الطبيب :
فما كان قيس هُلْكُه هُلْكَ واحد
ولكنّه بنيان قوم تهدّما
وقالت سعدة أمّ الكميت بن معروف :
بنى لك معروفٌ بناءً هدمته
وللشرف العاديّ باننٍ وهادم
و ) من القواعد ( متعلق ب ( أتى ). ) ومِن ( ابتدائيّة، ومجرورها هو مبْدأ الإتيان الذي هو بمعنى الاستئصال، فهو في معنى هدمه.
و ) القواعد ( : الأسس والأساطين التي تجعل عَمداً للبناء يقام عليها السقف. وهو تخييل أو ترشيح، إذ ليس في الكلام شيء يشبّه بالقواعد.
والخرور : السقوط والهويّ، ففعل خرّ مستعار لِزوال ما به المنعة نظير قوله تعالى :( يخرّبون بيوتهم بأيديهم ( سورة الحشر : ٢ ).


الصفحة التالية
Icon