" صفحة رقم ١٩٠ "
واقتضى قوله تعالى :( من دابة ( إهلاكَ دوابّ الناس معهم لو شاء الله ذلك، لأن استئصال أمّة يشتمل على استئصال دوابّها، لأنّ الدوابّ خلقت لنفع الناس فلا بدع أن يستأصلها الله إذا استأصل ذويها.
والاقتصار على ذكر دابّة في هذه الآية إيجاز، لأنه إذا كان ظلم الناس مفضياً إلى استئصال الدوابّ كان العِلم بأنه مفض إلى استئصال الظالمين حاصلاً بدلالة الاقتضاء.
وهذا في عذاب الاستئصال، وأما ما يصيب الناس من المصائب والفتن الوارد فيه قوله تعالى :( واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة ( سورة الأنفال : ٢٥ ) فذلك منوط بأسباب عادية، فاستثناء الصالحين يقتضي تعطيل دواليب كثيرة من دواليب النظام الفطري العام، وذلك لا يريد الله تعطيله لما يستتبع تعطيله من تعطيل مصالح عظيمة والله أعلم بذلك.
فقد جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله يقول : إذا أراد الله بقوم عذاباً أصاب العذابُ من كان فيهم ثم يُبعثون على نيّاتهم، أي يكون للمحسن الذي أصابه العذاب تبعاً جزاءٌ على ما أصابه من مصيبة غيره. وإنما الذي لا ينال البريء هو العقاب الأخروي الذي جعله الله جزاء على التكليف، وهو معنى قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى ( سورة الأنعام : ١٦٤ ).
وفي هذه الآية إشارة إلى أن الدوابّ التي على الأرض مخلوقة لأجل انتفاع الإنسان، فلذلك لم يكن استعمال الإنسان إيّاها فيما تصلح له ظلماً لها، ولا قتلها لأكلها ظلماً لها.
والمؤاخذة : الأخذ المقصود منه الجزاء، فهو أخذ شديد، ولذلك صيغت له صيغة المفاعلة الدالة على الكثرة، فدلّ على أن المؤاخذة المنتفية بلو ( هي الأخذ العاجل المناسب للمجازاة، لأن شأن الجزاء في العرف أن لا يتأخر عن وقت حصول الذنب.


الصفحة التالية
Icon