" صفحة رقم ٢٦٩ "
والبعث : هنا الإيقاظ، أي أيقظناهم من نومتهم يقظة مفزوع. كما يُبعث البعير من مَبركه. وحسن هذه الاستعارة هنا أن المقصود من هذه القصة إثبات البعث بعد الموت فكان في ذكر لفظ البعث تنبيه على أن في هذه الإفاقة دليلاً على إمكان البعث وكيفيته.
والحزب : الجماعة الذين توافقوا على شيء واحد، فالحزبان فريقان : أحدهما مصيب والآخر مخطىء في عد الأمد الذي مضى عليهم. فقيل : هما فريقان من أهل الكهف أنفسهم على أنه المشار إليه بقوله تعالى :( قال قائل منهم كم لبثتم ( الكهف : ١٩ ). وفي هذا بعد من لفظ حزب إذ كان القائل واحداً والآخرون شاكين، وبعيد أيضاً من فعل أحصى ( لأن أهل الكهف ما قصدوا الإحصاء لمدة لبثهم عند إفاقتهم بل خالوها زمناً قليلاً. فالوجه : أن المراد بالحزبين حزبان من الناس أهل بلدهم اختلفت أقوالهم في مدة لبثهم بعد أن علموا انبعاثهم من نومتهم، أحد الفريقين مصيب والآخر مخطىء، والله يعلم المصيب منهم والمخطىء، فهما فريقان في جانبي صواب وخطأ كما دل عليه قوله :( أحصى ).
ولا ينبغي تفسير الحزبين بأنهما حزبان من أهل الكهف الذين قال الله فيهم :( قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم الآية ( الكهف : ١٩ ).
وجُعل حصول علم الله بحال الحزبين علةً لبعثِهِ إياهم كناية عن حصول الاختلاف في تقدير مدتهم فإنهم إذا اختلفوا علم الله اختلافهم عِلْمَ الواقعات، وهو تعلق للعلم يصح أن يطلق عليه تنجيزي وإن لم يقع ذلك عند علماء الكلام.
وقد تقدم عند قوله تعالى : لنبلوهم أيهم أحسن عملاً في أول السورة الكهف ( ٧ ).
وأحصى ( يحتمل أن يكون فعلاً ماضياً، أن يكون اسم تفضيل مصوغاً من الرباعي على خلاف القياس. واختار الزمخشري في ( الكشاف ) تبعاً لأبي علي الفارسي الأول تجنباً لصوغ اسم التفضيل على غير قياس لقلته. واختارَ الزجاج


الصفحة التالية
Icon