" صفحة رقم ٢٩٦ "
يأذن الله لك بأن تقوله. وعليه فالمصدر المسبك من ) أن يشاء الله ( مستثنى من عموم المنهيات وهو من كلام الله تعالى، ومفعول ) يشاء الله ( محذوف دل عليْه ما قبله كما هو شأن فِعل المشيئة والتقدير : إلا قولاً شاءه الله فأنت غير منهي عن أن تقوله.
ومقتضى كلام الكسائي والأخفش والفراء أنه مستثنى من جملة ) إني فاعل ذلك غداً (، فيكون مستثنى من كلام النبي ( ﷺ ) المنهي عنه، أيْ إلا قولاً مقترناً ب ( إن شاء الله ) فيكون المصدر المنسبك من ( أن ) والفعل في محل نصب على نزع الخافض وهو باء الملابسة. والتقدير : إلا ب ( إن يشاء الله ) أي بما يدل على ذكر مشيئة الله، لأن ملابسة القول لحقيقة المشيئة محال، فعلم أن المراد تلبسه بذكر المشيئة بلفظ ( إن شاء الله ) ونحوهِ، فالمراد بالمشيئة إذن الله له.
وقد جمعت هذه الآية كرامة للنبيء ( ﷺ ) من ثلاث جهات :
الأولى : أنه أجاب سؤله، فبين لهم ما سألوه إياه على خلاف عادة الله مع المكابرين.
الثانية : أنه علمه علماً عظيماً من أدب النبوءة.
الثالثة : أنه ما علمه ذلك إلا بعد أن أجاب سؤله استئناساً لنفسه أن لا يبادره بالنهي عن ذلك قبل أن يجيبه، كيلا يتوهم أن النهي يقتضي الإعراض عن إجابة سؤاله، وكذلك شأن تأديب الحبيب المكرّم. ومثاله ما في الصحيح : أن حكيم بن حزام قال :( سألت رسول الله فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني، ثم قال : يا حكيم إن هذا المال خَضِرَةٌ حُلوةٌ فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى. قال


الصفحة التالية
Icon