" صفحة رقم ٣٣٢ "
بهيئة إقبال الغيث منبت الزرع ونشأتِه عنه ونضارتهِ ووفرتهِ ثم أخذهِ في الانتقاص وانعدام التمتع به ثم تطَايره أشتاتاً في الهواء، تشبيهاً لمركب محسوس بمركب محسوس ووجه الشبه كما علمت.
وجملة ) وكان الله على كل شيء مقتدراً ( جملة معترضة في آخر الكلام. موقعها التذكير بقدرة الله تعالى على خلق الأشياء وأضدادها، وجعل أوائلها مفضية إلى أواخرها، وترتيبه أسباب الفناء على أسباب البقاء، وذلك اقتدار عجيب. وقد أفيد ذلك على أكمل وجه بالعموم الذي في قوله :( على كل شيء ( وهو بذلك العموم أشبه التذييل. والمقتدر : القوي القدرة.
٤٦ ) ) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً ).
اعتراض أريد به الموعظة والعبرة للمؤمنين بأن ما فيه المشركون من النعمة من مال وبنين ما هو إلا زينة الحياة الدنيا التي علمتم أنها إلى زوال، كقوله تعالى :( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ( آل عمران : ١٩٦ ) وأن ما أعد الله للمؤمنين خير عند الله وخير أملاً. والاغتباط بالمال والبنين شنشنة معروفة في العرب، قال طرفة :
فلو شاء ربي كنت قيس بن عاصم
ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد
فأصبحت ذا مال كثير وطاف بي
بنون كرام سادة لمسوّد
ووالباقيات الصالحات ( صفتان جرتا على موصوف محذوف، أي الأعمال الصالحات الباقيات، أي التي لا زوال لها، أي لا زوال لخيرها، وهو ثوابها الخالد، فهي خيرٌ من زينة الحياة الدنيا التي هي غير باقية.


الصفحة التالية
Icon