" صفحة رقم ٣٣٥ "
وتسيير الجبال : نقلها من مواضعها بزلزال أرضي عظيم، وهو مثل قوله تعالى :( وإذا الجبال سيرت ( التكوير : ٣ ) وقوله تعالى : وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ( النّمل : ٨٨ ). وقيل : أطلق التسيير على تناثر أجزائها. فالمراد : ويوم نسير كل جبل من الجبال، فيكون كقوله : وتكون الجبال كالعهن المنفوش ( القارعة : ٥ ) وقوله : وبست الجبال بساً فكانت هباءً منبثاً ( الواقعة : ٥ ٦ ) وقوله : وسيرت الجبال فكانت سراباً ( النبأ : ٢٠ ). والسبب واحد، والكيفيتان متلازمتان، وهو من أحوال انقراض نظام هذا العالم، وإقبال عالم الحياة الخالدة والبعث.
وقرأ الجمهور نسير ( بنون العظمة. وقرأ ابن كثير وابن عامر، وأبو عمرو ) ويوم تُسيّر الجبال ( بمثناة فوقية ببناء الفعل إلى المجهول ورفع ) الجبال ).
والخطاب في قوله :( وترى الأرض بارزة ( لغير معين. والمعنى : ويرى الرائي، كقول طرفة :
ترى جُثْوَتَيْن من تراب عليهما
صفائحُ صمٌّ من صَفيح مُنَضد
وهو نظير قوله :( فترى المجرمين مشفقين مما فيه ( الكهف : ٤٩ ).
والبارزة : الظاهرة، أي الظاهر سطحها، إذ ليس عليها شيء يستر وجهها من شجر ونبات أو حيوان، كقوله تعالى : فإذا هم بالساهرة ( النازعات : ١٤ ).
وجملة وحشرناهم ( في موضع الحال من ضمير ) تُسير ( على قراءة من قرأ بنون العظمة، أو من الفاعل المنوي الذي يقتضيه بناء الفعل للنائب على قراءة من قرأ ) تُسير الجبالُ بالبناء للنائب.
ويجوز أن نجعل جملة وحشرناهم ( معطوفة على جملة ) نسير الجبال ( على تأويله ب ( نحشرهم ) بأن أطلق الفعل الماضي على المستقبل تنبيهاً على تحقيق وقوعه.
والمغادرة : إبقاء شيء وتركه من تعلق فعل به، وضمائر الغيبة في ) حشرناهم ( و ) منهم ( ) وعُرضوا ( عائدة إلى ما عاد إليه ضمير الغيبة في قوله :( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا ( ( الكهف : ٤٥ ).


الصفحة التالية
Icon