" صفحة رقم ١٨٧ "
والاستواء : الاستقرار، قال تعالى :( فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ( ( المؤمنون : ٢٨ ) الآية. وقال :( واستوت على الجوديّ ( ( هود : ٤٤ ).
والعرش : عالم عظيم من العوالم العُليا، فقيل هو أعلى سماء من السماوات وأعظمها. وقيل غير ذلك، ويسمى : الكرسي أيضاً على الصحيح، وقيل : الكرسي غير العرش.
وأيّاً مّا كان فذكر الاستواء عليه زيادة في تصوير عظمة الله تعالى وسعة سلطانه بعد قوله :( ممَّن خلقَ الأرضَ والسموات العُلى ).
وأما ذكر الاستواء فتأويله أنه تمثيل لشأن عظمة الله بعظمة أعظم الملوك الذين يجلسون على العروش. وقد عَرَف العرب من أولئك ملوكَ الفرس وملوكَ الروم وكان هؤلاء مضرب الأمثال عندهم في العظمة.
وحَسّنَ التعبيرَ بالاستواء مقارنته بالعرش الذي هو ممّا يُستوى عليه في المتعارف، فكان ذكر الاستواء كالترشيح لإطلاق العرش على السماء العظمى، فالآية من المتشابه البيّن تأويله باستعمال العرب وبما تقرر في العقيدة : أن ليس كمثله شيء.
وقيل : الاستواء يستعمل بمعنى الاستيلاء. وأنشدوا قول الأخطل :
قد استوى بشر على العراق
بغير سيف ودممٍ مُهْراق
وهو مولّد. ويحتمل أنه تمثيل كالآية. ولعلّه انتزعه من هذه الآية.
وتقدم القول في هذا عند قوله تعالى :( ثم استوى على العرش في سورة الأعراف ( ٥٤ ). وإنما أعدنا بعضه هنا لأن هذه الآية هي المشتهرة بين أصحابنا الأشعرية.