" صفحة رقم ١٨١ "
من آياتها ما يلائم أسلوب القرآن النازل بمكة. ومع هذا فليس الافتتاح ب ) ياأيها الناس بمعّين أن تكون مكية، وإنما قال ابن عباس : ياأيها الناس يراد به المشركون. ولذا فيجوز أن يوجّه الخطاب به إلى المشركين في المدينة في أول مدة حلول النبي بها، فإن قوله : إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام ( ( الحج : ٢٥ ) يناسب أنه نزل بالمدينة حيث صدّ المشركون النبي والمؤمنين عن البقاء معهم بمكة. وكذلك قوله :( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ( ( الحج : ٣٩ ٤٠ ) فإنه صريح في أنه نزل في شأن الهجرة.
روى الترمذي بسنده عن ابن عباس قال : لما أخرج النبي من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيئهم ليَهلِكنْ فأنزل الله :( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ( ( الحج : ٣٩ ٤٠ )، وكذلك قوله :( والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً ( ( الحج : ٥٨ ) ففيه ذكر الهجرة وذكر من يقتل من المهاجرين وذلك مؤذن بجهاد متوقع كما سيجيء هنالك.
وأحسب أنه لم تتعيّن طائفة منها متوالية نزلت بمكة ونزل ما بعدها بالمدينة بل نزلت آياتها متفرقة. ولعلّ ترتيبها كان بتوقيف من النبي ( ﷺ ) ومثل ذلك كثير.
وقد قيل في قوله تعالى :( هذان خصمان اختصموا في ربهم ( ( الحج : ١٩ ) إنه نزل في وقعة بدر، لما في ( الصحيح ) عن علي وأبي ذرّ : أنها نزلت في مبارزة حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث مع شيّبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر وكان أبو ذرّ يُقسم على ذلك.