" صفحة رقم ٢٠١ "
ذلك قوله بعد هذا ) لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً ( فجعل ( الأشد ) كأنه الغاية المقصودة من تطويره.
والأشُدّ : سن الفتوة واستجماع القوى. وقد تقدم في ( سورة يوسف : ٢٢ ) ) ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً.
ووقع في ( ( سورة المؤمن : ٦٧ ) ) ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً، فعطف طور الشيخوخة على طور الأشُد باعتبار أن الشيخوخة مقصد للأحياء لحبهم التعمير، وتلك الآية وردت مورد الامتنان فذكر فيها الطور الذي يتملى المرء فيه بالحياة، ولم يذكر في آية سورة الحج لأنها وردت مورد الاستدلال على الإحياء بعد العدم فلم يذكر فيها من الأطوار إلا ما فيه ازدياد القوة ونماء الحياة دون الشيخوخة القريبة من الاضمحلال، ولأن المخاطبين بها فريق معيّن من المشركين كانوا في طور الأشد، وقد نبهوا عقب ذلك إلى أن منهم نفراً يُردون إلى أرذل العمر، وهو طور الشيخوخة بقوله : ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ).
وجيء بقوله ) ومنكم من يتوفى ( على وجه الاعتراض استقراء لأحوال الأطوار الدالة على عظيم القدرة والحكمة الإلهية مع التنبيه على تخلل الوجود والعدم أطوار الإنسان بدءاً ونهاية كما يقتضيه مقام الاستدلال على البعث. والمعنى : ومنكم من يتوفى قبل بلوغ بعض الأطوار. وأما أصل الوفاة فهي لاحقة لكل إنسان لا لبعضهم، وقد صرح بهذا في سورة المؤمن ( ٦٧ ) :( ومنكم من يتوفى من قبل.
وقوله ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ( هو عديل قوله تعالى :( ومنكم من يتوفى ). وسكت عن ذكر الموت بعد أرذل العمر لأنه معلوم بطريقة لحن الخطاب.