" صفحة رقم ٢٢٦ "
ولا يعقل أن يكون البغاء محرماً قبل نزول هذه الآية إذ لم يعرف قبلها شيء في الكتاب والسنة يدل على تحريم البغاء، ولأنه لو كان كذلك لم يتصور حدوث تلك الحوادث التي كانت سبب نزول الآية إذ لا سبيل للإقدام على محرّم بين المسلمين أمثالهم.
ولذلك فالآية نزلت توطئة لإبطاله كما نزل قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ( ( النساء : ٤٣ ) توطئة لتحريم الخمر البتة. وهو الذي جرى عليه المفسرون مثل الزمخشري والفخر بظاهر عباراتهم دون صراحة بل بما تأولوا به معاني الآية إذ تأولوا قوله :( إن أردن تحصناً ( بأن الشرط لا يراد به عدم النهي عن الإكراه على البغاء إذا انتفت إرادتهن التحصن بل كان الشرط خرج مخرج الغالب لأن إرادة التحصن هي غالب أحوال الإماء البغايا المؤمنات إذ كن يحببن التعفف، أو لأن القصة التي كانت سبب نزول الآية كانت معها إرادة التحصن.
والداعي إلى ذكر القيد تشنيع حالة البغاء في الإسلام بأنه عن إكراه وعن منع من التحصن. ففي ذكر القيدين إيماء إلى حكمة تحريمه وفساده وخباثة الاكتساب به.
وذكر ) إن أردن تحصناً ( لحالة الإكراه إذ إكراههم إياهن لا يتصور إلا وهن يأبين وغالب الإباء أن يكون عن إرادة التحصن. هذا تأويل الجمهور ورجعوا في الحامل على التأويل إلى حصول إجماع الأمة على حرمة البغاء سواء كان الإجماع لهذه الآية أو بدليل آخر انعقد الإجماع على مقتضاه فلا نزاع في أن الإجماع على تحريم البغاء ولكن النظر في أن تحريمه هل كان بهذه الآية.
وأنا أقول : إن ذكر الإكراه جرى على النظر لحال القضية التي كانت سبب النزول.
والذي يظهر من كلام ابن العربي أنه قد نحا بعض العلماء إلى اعتبار الشرط في الآية دليلاً على تحريم الإكراه على البغاء بقيد إرادة الإماء التحصن.