" صفحة رقم ٢٣١ "
والذي يظهر لي أن جملة :( الله نور السماوات والأرض ( معترضة بين الجملة التي قبلها وبين جملة :( مثل نوره كمشكاة ( وأن جملة :( مثل نوره كمشكاة ( بيان لجملة :( ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ( ( النور : ٣٤ ) كما سيأتي في تفسيرها فتكون جملة :( الله نور السماوات والأرض ( تمهيداً لجملة :( مثَل نوره كمشكاة ).
ومناسبة موقع جملة :( مثل نوره كمشكاة ( بعد جملة :( ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ( أن آيات القرآن نور قال تعالى :( وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً في سورة النساء ( ١٧٤ )، وقال : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ( في سورة العقود ( ١٥ )، فكان قوله :( الله نور السماوات والأرض ( كلمة جامعة لمعان جمّة تتبع معاني النور في إطلاقه في الكلام.
وموقع الجملة عجيب من عدة جهات، وانتقال من بيان الأحكام إلى غرض آخر من أغراض الإرشاد وأفانين من الموعظة والبرهان.
والنور : حقيقته الإشراق والضياء. وهو اسم جامد لمعنى، فهو كالمصدر لأنا وجدناه أصلاً لاشتقاق أفعال الإنارة فشابهت الأفعال المشتقة من الأسماء الجامدة نحو : استنوق الجمل، فإن فعل أنار مثل فعل أفلس، وفعل استنار مثل فعل استحجر الطين. وبذلك كان الإخبار به بمنزلة الإخبار بالمصدر أو باسم الجنس في إفادة المبالغة لأنه اسم ماهية من المواهي فهو والمصدر سواء في الاتصاف. فمعنى :( الله نور السماوات والأرض ( أن منه ظهورهما. والنور هنا صالح لعدة معان تشبّه بالنور. وإطلاق اسم النور عليها مستعمل في اللغة.
فالإخبار عن الله تعالى بأنه نور إخبار بمعنى مجازي للنور لا محالة بقرينة أصل عقيدة الإسلام أن الله تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض لا يتردد في ذلك أحد من أصحاب اللسان العربي ولا تخلو حقيقة معنى النور عن كونه جوهراً أو عرضاً. وأسعد إطلاقات النور في اللغة بهذا المقام أن يراد به جلاء الأمور التي شأنها أن تخفى عن مدارك الناس وتلتبس فيقل الاهتداء إليها،