" صفحة رقم ٢٣٢ "
فإطلاقه على ذلك مجاز بعلامة التسبب في الحس والعقل وقال الغزالي في رسالته المعروفة ( بمشكاة الأنوار ) : النور هو الظاهر الذي به كل ظهور، أي الذي تنكشف به الأشياء وتنكشف له وتنكشف منه وهو النور الحقيقي وليس فوقه نور. وجعل اسمه تعالى النور دالاً على التنزه عن العدم وعلى إخراج الأشياء كلها عن ظلمة العدم إلى ظهور الوجود فآل إلى ما يستلزمه اسم النور من معنى الإظهار والتبيين في الخلق والإرشاد والتشريع وتبعه ابن برَّجان الإشبيلي في ( شرح الأسماء الحسنى ) فقال : إن اسمه النور آل إلى صفات الأفعال اه.
أما وصف النور هنا فيتعين أن يكون ملائماً لما قبل الآية من قوله :( لقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ( ( النور : ٣٤ ) وما بعدها من قوله :( مثل نوره كمشكاة ( إلى قوله :( يهدي الله لنوره من يشاء ( وقوله عقب ذلك :( ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ( ( النور : ٤٠ ). وقد أشرنا آنفاً إلى أن للنور إطلاقات كثيرة وإضافات أخرى صالحة لأن تكون مراداً من وصفه تعالى بالنور. وقد ورد في مواضع من القرآن والحديث فيحمل الاطلاق في كل مقام على ما يليق بسياق الكلام ولا يطرد ذلك على منوال واحد حيثما وقع، كما في قول النبي ( ﷺ ) ( ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ) فإن عطف ( من فيهن ) يؤذن بأن المراد ب ( السماوات والأرض ) ذاتهما لا الموجودات التي فيهما فيتعين أن يراد بالنور هنالك إفاضة الوجود المعبر عنه بالفتق في قوله تعالى :( كانتا رتقاً ففتقناهما ( ( الأنبياء : ٣٠ ). والمعنى : أنه بقدرته تعالى استقامت أمورهما.
والتزم حكماء الإشراق من المسلمين وصوفية الحكماء معاني من إطلاقات النور. وأشهرها ثلاثة : البرهان العلمي، والكمال النفساني، وما به مشاهدة النورانيات من العوالم. وإلى ثلاثتها أشار شهاب الدين يحيى