" صفحة رقم ١٢٠ "
وقصد بإطلاق وصف الرسول على موسى التهكمَ به بقرينة رميه بالجنون المحقق عنده.
وأضاف الرسول إلى المخاطبين رَبْئاً بنفسه عن أن يكون مقصوداً بالخطاب، وأكد التهكّم والربء بوصفه بالموصول ) الذي أرسل إليكم ( فإن مضمون الموصول وصلته هو مضمون ) رسولكم ( فكان ذكره كالتأكيد، وتنصيصاً على المقصود لزيادة تهييج السامعين كيلا يتأثروا أو يتأثر بعضهم بصدق موسى لأن فرعون يتهيأ لإعداد العُدة لمقاومَة موسى لعلمه بأن له قوماً في مصر ربّما يستنصر بهم.
) ) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ).
لما رأى موسى سوء فهمهم وعدم اقتناعهم بالاستدلال على الوحدانية بالتكوين المعتاد إذ التبس عليهم الأمر المعتاد بالأمر الذي لا صانع له انتقل موسى إلى ما لا قبل لهم بجحده ولا التباسِه وهو التصرف العجيب المشاهد كل يوم مرتين، كما انتقل إبراهيم عليه السلام من الاستدلال على وجود الله بالإحياء والإماتة لما تَمَوَّه على النمرود حقيقة معنى الإحياء والإماتة فانتقل إبراهيم إلى الاستدلال بطلوع الشمس فيما حكى الله تعالى :( ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربّي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتتِ بها من المغرب ( ( البقرة : ٢٥٨ ) فكانت حجة موسى حجة خليلية.
والمشرق والمغرب يجوز أن يراد بهما مكان شروق الشمس ومكان غروبها في الأفق، فيكون تحريكاً للاستدلال بما يقع في ذلك المكان من الأُفق من شروق الشمس وغروبها، فيكون المراد بربّ المشرق والمغرب خالقَ ذلك النظام اليومي على طريقة الإيجاز.
ويجوز أن يراد بالمشرق والمغرب المصدر الميمي، أي ربّ الشروق والغروب، فيكون المراد بالربّ الخالق، أي مكوِّن الشروق والغروب ويكون المراد بما بينهما على


الصفحة التالية
Icon