" صفحة رقم ١٥٨ "
و ) إذ قال ( ظرف، أي كذبوه حين قال لهم ) ألا تتقون ( فقالوا :( أنؤمن لك ( ( الشعراء : ١١١ ). ويظهر أن قوله :( ألا تتقون ( صدر بعد أن دعاهم من قبل وكرّر دعوتهم إذ رآهم مُصرِّين على الكفر ويدل لذلك قولهم في مجاوبته ) واتَّبَعَك الأرذلون ( ( الشعراء : ١١١ ).
وخص بالذكر في هذه السورة هذا الموقف من مواقفه لأنه أنسب بغرض السورة في تسلية الرسول ( ﷺ ) بذكر مماثل حاله مع قومه. والأخ مستعمل في معنى القريب من القبيلة. وقد تقدم في قوله تعالى :( وإلى عاد أخاهم هوداً ( في سورة الأعراف ( ٦٥ ).
وقوله :( ألا تتقون ( يجوز أن يكون لفظ ) أَلاَ ( مركباً من حرفين همزة استفهام دخلت على ( لاَ ) النافية، فهو استفهام عن انتفاء تقواهم مستعمل في الإنكار وهو يقتضي امتناعهم من الامتثال لدعوته.
ويجوز أن يكون ) أَلاَ ( حرفاً واحداً هو حرف التحْضيض مثل قوله تعالى :( ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم ( ( التوبة : ١٣ ) وهو يقتضي تباطؤهم عن تصديقه.
والمراد بالتقوى : خشية الله من عقابه إياهم على أن جعلوا معه شركاء.
وجملة :( إني لكم رسول أمين ( تعليل للإنكار أو للتحضيض، أي كيف تستمرون على الشرك وقد نهيتكم عنه وأنا رسول لكم أمينٌ عندكم.
وكان نوح موسوماً بالأمانة لا يتهم في قومه كما كان محمد ( ﷺ ) يلقب الأمين في قريش. قال النابغة :
كذلك كانَ نوحٌ لا يخون
وتأكيده بحرف التأكيد مع عدم سبق إنكارهم أمانته لأنه توقَّع حدوث الإنكار فاستدل عليهم بتجربة أمانته قبل تبليغ الرسالة، فإن الأمانة دليل على صدقه فيما بلَّغهم من رسالة الله، كما قال هرقل لأبي سفيان وقد سأله : هل جربتم عليه ( يعني النبي ( ﷺ ) كَذِباً، فقال أبو سفيان : لاَ ونَحْن منه في مدة لا ندري ما فعل فيها. فقال له هرقل بعد ذلك : فقد عَلِمتُ أنه ما كان ليترك الكذب على الناس ويكذب على الله. ففي حكاية استدلال نوح بأمانته بين قومه في هذه


الصفحة التالية
Icon