" صفحة رقم ١٦٠ "
والاستفهام في ) أنؤمن ( استفهام إنكاري، أي لا نؤمن لك وقد اتّبعك الأرذلون فجملة :( واتبعك ( حالية.
و ) الأرذلون ( : سَقَط القوم موصوفون بالرذالة وهي الخِسّة والحقارة، أرادوا بهم ضعفاء القوم وفقراءهم فتكبروا وتعاظموا أن يكونوا والضعفاءَ سواء في اتّباع نوح. وهذا كما قال عظماء المشركين للنبيء ( ﷺ ) لما كان من المؤمنين عمَّار وبلال وزيدُ بن حارثة : أنحن نكون تبعاً لهؤلاء أطرِدْهم عنك فلعلك إن طردتهم أن نتبعك. فأنزل الله تعالى :( ولا تَطْرُد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ( الآيات من سورة الأنعام ( ٥٢ ).
وقرأ الجمهور :( واتَّبعَك ( بهمزة وصل وتشديد التاء الفوقية على أنه فعل مضي من صيغة الافتعال. والمعنى : أنهم كانوا من أتباعه أو كانوا أكثر أتباعه. وقرأ يعقوب ) وأتْبَاعُك ( بهمزة قطع وسكون الفوقية وألف بعد الموحدة على أنه جمع تابع. والمعنى : أنهم أتباعه لا غيرهم فالصيغة صيغةُ قصر.
وجواب نوح عن كلام قومه يحتاج إلى تدقيق في لفظه ومعناه. فأما لفظه فاقتران أوله بالواو يجعله في حكم المعطوف على كلام قومه تنبيهاً على اتصاله بكلامهم. وذلك كناية عن مبادرته بالجواب كما في قوله تعالى حكايةً عن إبراهيم عليه السلام ) قال ومن ذريتي ( ( البقرة : ١٢٤ ) بعد قوله :( قال إني جاعلك للناس إماماً ( ( البقرة : ١٢٤ ). ويسمى عطفَ تلقين مراعاةً لوقوعه في تلك الآية والأوْلى أن يسمى عطف تكميل.
وأما معناه فهو استفهام مؤذن بأن قومه فصَّلوا إجمال وصفهم أتباعَه بالأرذلين بأن بينوا أوصافاً من أحوال أهل الحاجة الذين لا يعبأ الناس بهم فأتى بالاستفهام عن علمه استفهاماً مستعملاً في قلة الاعتناء بالمستفهَم عنه، وهو كناية عن قلة جدواه لأن الاستفهام عن الشيء يؤذن بالجهل به، والجهل تُلازمه قلة العناية بالمجهول وضعفُ شأنه، كما يقال لك : يهدّدك فلان، فتقول : وما فُلان، أي لا يُعبأ به. وفي خبر وهب بن كيسان عن جابر ابن عبد الله أن أبا عبيدة كان يقُوتنا كلَّ يوم تمرةً فقال وهب : قلتُ وما تغني عنكم تمرة.