" صفحة رقم ٢٦٦ "
وافتتاح جملة :( إن الملوك ( بحرف التأكيد للاهتمام بالخبر وتحقيقه، فقولها ) إذا دخلوا قرية أفسدوها ( استدلال بشواهد التاريخ الماضي ولهذا تكون ) إذا ( ظرفاً للماضي بقرينة المقام كقوله تعالى :( وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها ( ( الجمعة : ١١ ) وقوله :( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا ( ( التوبة : ٩٢ ).
وجملة :( وكذلك يفعلون ( استدلال على المستقبل بحكم الماضي على طريقة الاستصحاب وهو كالنتيجة للدليل الذي في قوله :( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ). والإشارة إلى المذكور من الإفساد وجَعْللِ الأعزة أذلة، أي فكيف نلقي بأيدينا إلى من لا يألو إفساداً في حالنا.
فدبرت أن تتفادى من الحرب ومن الإلقاء باليد، بطريقة المصانعة والتزلف إلى سليمان بإرسال هدية إليه، وقد عزمت على ذلك ولم تستطلع رأي أهل مشورتها لأنهم فوضوا الرأي إليها، ولأن سكوتهم على ما تخبرهم به يُعدّ موافقة ورضى.
وهذا الكلام مقدمة لما ستلقيه إليهم من عزمها، ويتضمن تعليلاً لما عزمت عليه.
والباء في ) بهدية ( باء المصاحبة. ومفعول ) مرسلة ( محذوف دل عليه وصف ) مرسلة ( وكون التشاور فيما تضمنه كتاب سليمان. فالتقدير : مرسلة إليهم كتاباً ووَفداً مصحوباً بهدية إذ لا بد أن يكون الوفد مصحوباً بكتاب تجيب به كتاب سليمان فإن الجواب عن الكتاب عادة قديمة، وهو من سنن المسلمين، وعدّ من حق المسلم على المسلم، قال القرطبي : إذا ورد على إنسان في كتاب بالتحية أو نحوها ينبغي أن يَرد الجواب لأن الكتاب من الغائب كالسلام من الحاضر. وروي عن ابن عباس أنه كان يرى رد الكتاب واجباً كرد السلام اه. ولم أقف على حكم فيه من مذاهب الفقهاء. والظاهر أن الجواب إن كان عن كتاب مشتمل على صيغة السلام أن يكون رد الجواب واجباً وأن يشتمل على رد السلام لأن الرد بالكتابة يقاس على الرد بالكلام مع إلغاء فارق ما في المكالمة من المواجهة التي يكون ترك الرد معها أقرب لإلقاء العداوة. ولم أر في كتب النبي ( ﷺ ) جواباً عن كتاب إلا جوابه عن كتاب مسيلمة والسلام على من اتّبع الهدى.