" صفحة رقم ٩٨ "
ربّهم محدَث إلاّ استمعوه وهم يلْعَبون لاهية قلوبهم.
وذكر اسم الرحمن هنا دون وصف الرّب كما في سورة الأنبياء لأن السياق هنا لتسلية النبي على إعراض قومه فكان في وصف مُؤْتي الذكر بالرحمان تشنيع لحال المعرضين وتعريض لغباوتهم أن يُعرضوا عمَّا هو رحمة لهم، فإذا كانوا لا يدركون صلاحهم فلا تَذهبْ نفسُك حسراتتٍ على قوم أضاعوا نفعهم وأنت قد أرشدتهم إليه وذكرتهم، كما قال المثل : لا يحزنك دم هراقه أهله وقال النابغة :
فإن تغلب شقاوتكم عليكم
فإني في صلاحكم سعَيْتُ
وفي الإتيان بفعل كانوا ( وخبره دون أن يقال : إلا أعرضوا، إفادةُ أن إعراضهم راسخ فيهم وأنه قديم مستمرّ إذ أخبر عنهم قبل ذلك بقوله :( أن لا يكونوا مؤمنين ( ( الشعراء : ٣ )، فانتفاء كون إيمانهم واقعاً هو إعراض منهم عن دعوة الرسول التي طريقها الذكر بالقرآن فإذا أتاهم ذكر بعد الذكر الذي لم يؤمنوا بسببه وجدهم على إعراضهم القديم.
و ) مِن ( في قوله :( من ذكر ( مؤكدة لعموم نفي الأحوال.
و ) مِن ( التي في قوله :( من الرحمن ( ابتدائية.
والاستثناء من أحوال عامة، فجملة :( كانوا عنه معرضين ( في موضع الحال من ضمير ) يأتيهم من ذكر ). وتقدم المجرور لرعاية الفاصلة.
٦ ) ) فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاؤُا مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ).
فاء ) فقد كذبوا ( فصيحة، أي فقد تبين أن إعراضهم إعراض تكذيب بعد الإخبار عنهم بأن سنتهم الإعراض عن الذكر الآتي بعضه عقب بعض فإن الإعراض كان لأنهم قد كذبوا بالقرآن. وأما الفاء في قوله :( فسيأتيهم ( فَلِتَعْقِيب الإخبار بالوعيد بعد الإخبار بالتكذيب.
والأنباء : جمع نبأ، وهو الخبر عن الحدث العظيم، وتقدم عند قوله تعالى ) ولقد جاءك من نبأ المرسلين في سورة الأنعام ( ٣٤ ).


الصفحة التالية
Icon