" صفحة رقم ٢٠٢ "
( ١ ).
تقدم القول في معاني أمثالها مستوفى عند مفتتح سورة البقرة.
واعلم أن التهجي المقصود به التعجيز يأتي في كثير من سور القرآن وليس يلزم أن يقع ذكر القرآن أو الكتاب بعد تلك الحروف وإن كان ذلك هو الغالب في سور القرآن ما عدا ثلاث سور وهي فاتحة سورة مريم وفاتحة هذه السورة وفاتحة سورة الروم. على أن هذه السورة لم تخْلُ من إشارة إلى التحدّي بإعجاز القرآن لقوله تعالى ) أوَ لَمْ يَكْفِهِم أنّا أنزلنا إليك الكتاب يُتْلى عليهم ( ( العنكبوت : ٥١ ).
( ٢ ).
الاستفهام في ) أحسب ( مستعمل في الإنكار، أي إنكار حسبان ذلك. وحسب بمعنى ظن، وتقدم في قوله تعالى ) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ( في سورة البقرة ( ٢١٤ ). والمراد بالناس كل الذين آمنوا، فالقول كناية عن حصول المقول في نفس الأمر، أي أحَسِبَ الناس وقوع تركهم لأن يقولوا آمنا، فقوله ) أن يتركوا ( مفعول أول ل ) حسب ). وقوله ) أن يقولوا ءامنا ( شِبه جملة في محل المفعول الثاني وهو مجرور بلام جر محذوف مع ( أن ) حذفاً مطرداً، والتقدير : أَحَسِبَ الناس تركهم غير مفتونين لأجل قولهم : آمنا، فإن أفعال الظن والعلم لا تتعدى إلى الذوات وإنما تتعدى إلى الأحوال والمعاني وكان حقها أن يكون مفعولها واحداً دالاً على حالة، ولكن جرى استعمال الكلام على أن يجعلوا لها اسم ذات مفعولاً، ثم يجعلوا ما يدل على حالة للذات مفعولاً ثانياً. ولذلك قالوا : إن مفعولي أفعال القلوب ( أي العلم ونحوه ) أصلهما مبتدأ وخبر.
والترك : عدم تعهد الشيء بعد الاتصال به.
والترك هنا مستعمل في حقيقته لأن الذين آمنوا قد كانوا مخالطين للمشركين ومن زمرتهم، فلما آمنوا اختصوا بأنفسهم وخالفوا أحوال قومهم وذلك مظنة أن يتركهم المشركون وشأنهم، فلما أبى المشركون إلا منازعتهم طمعاً في إقلاعهم عن


الصفحة التالية
Icon