" صفحة رقم ٢٠٤ "
من الفتنة من المشركين واستبطأوا النصر على الظالمين، وذهولهم عن سنة الكون في تلك الحالة منزلة من ينكر أن من يخالف الدهماء في ضلالهم ويتجافى عن أخلاقهم ورذالتهم لا بدّ أن تلحقه منهم فتنة.
ولما كان هذا السنن من آثار ما طبع الله عليه عقول غالب البشر وتفكيرهم غير المعصوم بالدلائل وكان حاصلاً في الأمم السالفة كلها أسند فتون تلك الأمم إلى الله تعالى إسناداً مجازياً لأنه خالق أسبابه كما خلق أسباب العصمة منه لمن كان أهلاً للعصمة من مثله، وفي هذا الإسناد إيماء إلى أن الذي خلق أسباب تلك الفتن قريبها وبعيدها قادر على صرفها بأسباب تضادها. وإلى هذا يشير دعاء موسى عليه السلام المحكي في سورة يونس ( ٨٨ ) ) وقال موسى ربنا إنك ءاتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدُد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ( فسأل الله أن يخلق ضد الأسباب التي غرّت فرعون وملأه وغشيت على قلبه بالضلال.
والمقصود التذكير بما لحق صالحي الأمم السالفة من الأذى والاضطهاد كما لقي صالحو النصارى من مشركي الرومان في عصور المسيحية الأولى، وقد قص القرآن بعض ذلك في سورة البروج.
وحكمها سار في حال كل من يتمسك بالحق بين قوم يستخفون به من المسلمين لأن نكران الحق أنواع كثيرة.
والواو الداخلة على جملة ) ولقد فتنا الذين من قبلهم ( يجوز أن تكون عاطفة على جملة ) أحَسِبَ الناس ( ( العنكبوت : ٢ )، ويجوز كونها عاطفة على جملة ) وهم لا يفتنون ( ( العنكبوت : ٢ ) فتكون بمعنى الحال، أي والحال قد فتنا الذين من قبلهم، وعلى كلا التقديرين فالجملة معترضة بين ما قبلها وما تفرّع عنه من قوله ) فليعلمنّ الله الذين صدقوا ). فلك أن تسمي تلك الواو اعتراضية. وإسناد فعل ) فتنا ( إلى الله تعالى لقصد تشريف هذه الفتون بأنه جرى على سنة الله في الأمم. فالفاء في قوله ) فليعلمن الله الذين صدقوا ( تفريع على جملة ) وهم لا يفتنون ( ( العنكبوت : ٢ )، أي يفتنون فيعلم الله الذين صدقوا منهم والكاذبين. والمفرع هو علم الله الحاصل في